التعاون والتآزر بين بني البشر مبدأ ضارب في عمق التاريخ فلا تقوم الحضارة ولا تتطور الأمم إلا بتعاون جميع مكوناتها وإنصهارهم في بوتقة الرقي والتسامي والشد على يد بعضهم البعض.
ولعل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت من الأهمية بمكان بحيث قدمَها رسولنا الكريم قبل أي شيء لما قدموا للمدينة المنورة إذ أنها تعتبر أول لبنة في بناء الأمة وتشييد صرحها المجيد.
دعوني أيها السيدات والسادة أمخر بكم عباب بحور التوأمة والتي إن إنتهجنا النزر اليسير منها لتقدمت أمتنا ولشمخت كينونتها.
فلو قمنا بتوأمة الأسر الفقيرة مع نظيراتها الميسورة لما تفاقمت المشاكل لدى هذه الأسر. فبهذه الحالة ستهتم الأسرة الميسورة ليس فقط بالجوانب المادية بل تتعدى ذلك الى الجوانب السلوكية والتطويرية. فالأم تعتني بالأم والإبن يعتني بالإبن في تناظر خيري يؤول إلى التسامي وإلارتقاء. ولربما كانت هناك مناقب عند الأسر الفقيرة ( وما أكثرها ) تستفيد منها الأسر الميسورة فالفقر لا يقضي على مكنونات الأسرة المحتاجة ولكن قليل من إزالة الغبار سيُفضي إلى منتوج مميز. إن توأمة الأسر يعتبر من خطوط الدفاع الأولى للتصدي للظواهر المجتمعية السالبة.
نوع بهيج آخر من التوأمة هو توأمة الأحياء السكنية. فلو قمنا بتوأمة حي ميسور مع آخر فقير لما رتعت المشاكل وعشعشت في الأحياء الفقيرة. فمثالا وليس حصرا، عند إشتراك خمسة وعشرون بيت من حي به مئات البيوت بمبلغ يومي قيمته عشرة ريالات فستكون كفيلة بإستئجار عمارة جديدة في حي جديد تقطنها سبع أسر محتاجة. يتم بعد ذلك إدارة هذه العمارة من قبل لجنة من الحي الميسور فتقوم بتدريب الفتيات وتوفير وظائف للرجال والانتباه لأداء الطلبة القاطنين بهذه العمارة. وبهذه الحالة قمنا بخلط ديموغرافي متميز وسيتطور المجتمع بعد مدة من الزمن تطورا لافتا أساسه الإخاء والمودة والتمازج الإيجابي. وهناك أفكار كثيرة لتوأمة الأحياء يضيق المجال بذكرها.
وخير إشتقاقٍ من توأمة الأسر والأحياء هو توأمة الطلبة إذ يقوم الطالب النجيب وبالذات من الأسر الميسورة بالانتباه لنظيره من الأسر المعوزة فيراقب سجل درجاته ومواظبته ويساعده في دخول الجامعة ويتعهد بالمساعدة بإختيار التخصص والوظيفة فيما بعد. ولربما يكون التعاهد عكسيا فالأسر الفقيرة لديها من النبوغ الشيء المذهل ففي هذه الحالة تكون العلاقة طردية ومتميزة ومبنية على نيل الأجر والصعود الجماعي لذرى المجد.
دعوني أستطرد أكثر وأوسع دائرة التوأمة لتشمل توأمة الجمعيات الخيرية برجال الأعمال والشركات. فلو قام كل رجل أعمال ( أو سيدة أعمال أو شركة ) بالإهتمام بجمعية واحدة فقط وتركيز جميع أعماله الخيرية لتطوير هذه الجمعية لأصبحت الجمعيات تدار بطريقة مختلفة تماماً. فبهذه الحالة يقوم رجل الأعمال بتخصيص دورا واحدا من برجه ليكون مقرا للجمعية بدلا من المقرات المتهالكة لبعض هذه الجمعيات ( وربما تتطور الفكرة لبناء برج خاص بالجمعيات الخيرية لتوليد حراك وتناسج غير مسبوق فيما بينها ). فعندما يكون مقر الجمعية هو ذاته مقر رجل الأعمال أو الشركة سيكون هناك تفاعل يومي فمحاسب الشركة سيتعرف على محاسب الجمعية ويساعده كما أن القسم القانوني في الشركة ربما يتبرع بجزء من وقته وعلى طريقة التطوع المهني ( بروبونو ) للقيام بالأعباء القانونية للجمعية وهكذا تصبح الشركة رويدا رويدا حاضنة للجمعية. وربما يتطور الأمر أكثر فيقوم رجل الأعمال بندب أحد المدراء لديه لقيادة الجمعية ( بعد التنسيق مع وزارة الشؤون الإجتماعية ) وبنفس الوقت ينتدب مدير الجمعية ليقضي سنة في إحدى الجمعيات الخيرية العالمية أو يقوم بتجهيز مهمة طويلة الأمد له مع كبرى الشركات العالمية التي لديها إدارات مرموقة للمسؤولية الإجتماعية فبهذه الحالة سيكون هناك حراكا عنيفا نحو تطوير هذه الجمعيات وعلى أسس حوكمة وشفافية عالية. دعوني أحلم أكبر وأتجرأ أكثر فأقترح أن يكون راتب مدير الجمعية ومساعده على حساب رجل الأعمال ويكون راتبا مجزيا كراتب المدراء التنفيذيين في الشركات وبشرط التفرغ إذ أن الدوام الجزئي في الجمعيات يقوض أركانها.
هذه أربعة أمثلة للتوأمة وهناك أفكار أخرى كثيرة مثل توأمة الإستراحات وربطها بعمل خيري سنوي وتوأمة أصحاب المهن …الخ.
ربما يقول البعض منكم أن كاتب هذه السطور مغرق بالأحلام ولكن ماذا لو قلت لكم أن بعضا من هذه التجارب قد تم تفعيلها وأن تفعيل البقية ليس بمستحيل فهل ستساعدونه بتحقيق هذا الحلم؟
دمتم حالمين طامحين ناشدين دوما لشغف الريادة والسمو،،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام