منذ زمن بعيد شكوت همّي الى احد الأصدقاء المثقفين عن سرعة نسياني لما اقرأ. سألني هل تذكر غدائك قبل يومين او عشائك؟ طبعا الإجابة كانت لا. فقال ولكن الطعام قام بتغذية جسمك وأعطاك طاقة فكذلك القراءة وان نسيتها تُغذي العقل وتُعطي الروح طاقة وتبث فيها كوامن الإبداع ومسارات التجديد. كانت كلمات ليست كالكلمات لدرجة أني لم استطع نسيانها ولن أنساها. كنت اقرأ ما أحب للمتعة وكنت اقرأ ما لا أحب للثقافة والعلم.
القراءة كالبحر فيها من الكنوز الكثير ومن كل نوع وشكل وكلما تعمقنا عرفنا اكثر.
فهي تزيد من عمق الشخصية ورقي الكلام وجمال الحديث وبهاء الروح وتضفي على صاحبها جاذبية وقيمة. فأين قومي منها ونحن أمة اقرأ؟ أين نحن من هذا الخير العميم؟ كيف أضعناه وكيف نعيده؟
كنّا سابقا نجمع النقود ونصرف أعطيات الأعياد لشراء الكتب وكان صاحب المكتبة يعرفنا. كنّا نقضي الليل نقرأ وكان جيلنا في الجامعة يتكلم عن الكتب وأفضلها وأيها حاز جائزة ، فقد كنّا نفتخر بمكتباتنا الخاصة والأثيرة على أنفسنا ونحبها لدرجة العشق. أما الآن فأصبحت المكاتب التي تعرض الكتب قليله واسعار الكتب عالية لأن الزبائن في عزوف كئيب.
الان أصبحت مكتباتنا ديكورا والكتب يعلوها الغبار لا نجد من يتفصحها. ولعل زيارة سريعة للمكتبات العامة تنبىء عن الحال الأليم. فقد زرت أحد هذه المكتبات قبل فترة وآلمني حال أمين المكتبة حيث يمكث وحيدا والكتب يعلوها الغبار والزائرون غيروا وجهتهم إلى أماكن بديلة تبوأت مكانة المكتبة وتفوقت عليها.
ومقابل هذا العزوف العربي عن القراءة، نرى إنكبابا هائلا لقراءة أي شيء في العالم الغربي ونرى في كل حي مكتبة ضخمة تعج بالقراء من شتى الأطياف. فقد أخذتني زيارة إلى فنلندا هذا البلد الذي تسنم عرى المجد وأصبح البلد الأول في مستوى التعليم ورفاهية الفرد. فمن الملاحظات أن في كل حي بالمدينة الواحدة توجد مكتبة تضج بما لذّ وطاب من الفاكهة الأدبية والعلمية. والجدير بالذكر أن المكتبات هناك تمثل تجمعا للأهالي حيث يتناولون الأحاديث عن أبرز المنتوجات الثقافية. كما أن أي كتاب يصدر في العالم تتم ترجمته للغة الفنلندية مباشرة وتراه متوفرا بجميع المكتبات العامة. لا غرو إذن أن تتبوأ فنلندا هذه المكانة الرفيعة بين الأمم.
فكما يقول المثل الغربي Readers are Leaders نجد قادة العالم هم أكثر الناس قراءة. فقد لاحظت أن القراءة (وإن كانت فراءة عابرة أو في حقل مختلف) تضيف قيمة كبيرة لصاحبها وتنقله نقلة نوعية لن يندم عليها أبدا. ورحم الله أبا الطيب المتنبي حين قال:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ
إننا وفي عالم الرقميات، أصبح ملامسة الكتاب والأخذ من عبقه وعبيره ضربا من الماضي. خير جليس يشكو الحال فمتى يا ترى نرعوي ونؤدي له حقه ونعيد له مكانته؟
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام