في كل رمضان وفي كل مناسبة بذل وعطاء أقف مشدوها لدى مشاهدة حشود الناس من طالبي المساعدات وهم يتكدسون على أبواب التجار وأحدّث نفسي لماذا يقف هؤلاء في نفس الموقف وبكل سنة؟ والمؤلم أن نفس الوجوه تتكرر عند كل تاجر ووجيه. والأشد إيلاما أن هؤلاء هم أبناء من كان أباؤكم يتصدقون عليهم وليس مستغربا أن يستمر أبناؤهم بالطلب من أبنائكم وذرياتكم. ودائما تتسلل لفؤادي خواطر عن ماذا بعد السلال الغذائية التي يتم توزيعها لهؤلاء الناس والتي تصل قيمتها للمليارات سنويا ولماذا لا يتم إيقاف هذا التفاعل البغيض وهل إستمرء ذوو الحاجات وأرتضو بهذه الحالة وأدمنو الطلب؟ ولماذا لا يتم كسر هذا الإيقاع المؤلم والبدء بالإستثمار البشري وتطوير العقول بدلا عن إشباع البطن؟
عشرات الأسئلة تخطر في ذهني وبصورة يومية وتجعلني “متنرفزا” بمجرد إستلام مثل هذه الطلبات والتي تساهم بإستدامة الفقر وتحويل الفقراء إلى أداة إتكالية لا يستطيعون عنها فكاكا. وللمعلومية، فأننا نساهم بهذا الإثم لو إستمررنا بهذا النهج.
فالفقر ليس عيبا فمعظمنا “إن لم نكن جلّنا” كنا فقراء فأغنانا الله من فضله. العيب كل العيب هو إستمراء الأخذ والتعوّد على مد اليد والإستسلام لهذا المرض البغيض وتوريث الشحاذة للأجيال القادمة فقد قال رسولنا الكريم (لا يزال العبد يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) وفال عليه الصلاة والسلام (لأن يأخذ أحدكم أحبُلةُ ثم يأتي الجبل ، فيأتي يحُزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجههُ، خير له من أن يسأل الناس، اعطوه أو منعوه)، فمن يمد يده مرّة سيمدها مرّات ومن يفقد ماء الوجه فمن أين له بماء الكرامة. فمنهج الأنبياء والرسل والصالحين هو السعي الدؤوب في مناكب الأرض وخلق الفرص وعدم إنتظار السماء لتمطر ذهبا أو فضة.
ولعلّي أطرح في هذا السياق مبادرة “نسّق” والغرض منها هو تنسيق الجهود الخيرية بين أهل الخير وطالبي المساعدات سواءا كانو أفرادا أم جهات. والهدف الرئيسي لهذه المبادرة هو الوصول للمتعفف الحقيقي وللذين لا يسألون الناس إلحافا.
تقوم المبادرة على تأسيس برنامج حاسوبي لمن أراد الاستفادة منه من رجال الأعمال وغيرهم حيث يتم بناء قاعدة معلومات وافية للأفراد والمؤسسات التي تطلب الدعم والمساعدة، و ذلك عبر إخراج كل مشترك مالديه من معلومات يود التبرع بها لبقية المشتركين بالبرنامج والذي لا يمكن الدخول إليه إلا بكلمة عبور ضمانا للسرية التامة. ويستطيع المتبرع بالمعلومة كذلك الإبقاء على بعض المعلومات التي لا يود إخراجها للبقية وهكذا.
إليكم المثال التالي:
دخل سعيد (وهو من الناس الذين ليسوا بحاجة للصدقة أو الزكاة) على رجل الأعمال (تركي) لطلب المساعدة. في الحالة العادية لا توجد لدى تركي أي إمكانية لمعرفة مدى مصداقية سعيد من عدمها ولا حتى طريقة تقييم الحاجة والمقدار الذي يكفي سعيد. في حالة إشتراك تركي بالبرنامج، يقوم بإدخال معلومات سعيد ( الاسم الثلاثي أو رقم بطاقة الأحوال).وسيعطيه البرنامج معلومات كاملة عن سعيد في حالة تكرر دخوله على بقية رجال الأعمال المشتركين فيه وعن كل المساعدات التي منحوها له في حال تسجيلهم لها في البرنامج . وبهذا يقرر تركي وخلال دقائق معدودة أن يعطي سعيد أم لا.
في البداية يشترك عشرة من رجال الأعمال بالبرنامج ويتبرعوا بالمعلومات التي يودوا إطلاع الآخرين عليها وبنسب متفاوتة. مثلا قد يعطي تركي 50 بالمائة من معلومات طالبي الدعم لديه وقد يعطي غيرة ثمانين بالمائة وهكذا. يتم إختبار فاعلية النظام لمدة سنة وبعدها يعمم على نطاق أوسع وبالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية. وسيكون هناك تطبيق للبرنامج على الأجهزة الذكية لتسهيل آليات التواصل. وبهذا نضمن (والضامن هو الله) الوصول للمتعفف الحقيقي ونوقف الدعم لمن لا يحتاج الدعم.
ولعل الربط الآلي الذي قامت به وزارة الشؤون الإجتماعية مؤخرا مع وزارة العدل والذي أسقط 107 ألف حالة كانت تتغذى على خيرات الوطن دون وجه حق تعتبر من الخطوات المشكورة والمبرورة للحفاظ على ثروات البلد من هؤلاء الذين لا يهمهم سوى الأخذ “وأي أخذ” من ميزانية الأمة. وأتمنى أن يستكمل هذا الربط حلقاته مع بقية الجهات الحكومية كوزارة التجارة وغيرها لتسقط بقية الحالات الغير المستحقة ليصفى الأصفياء الأنقياء ذوو الحاجة الفعليين. كما وأتمنى أن لا يمر هذا الحدث مرور الكرام فمثل هؤلاء يجب أن يتم تقديمهم للمحاكمة ليصبحوا عبرة وعظة.
نحن في عالم أصبح من النادر العثور على المتعفف الحقيقي بسبب تغطية شرائح معينة ذوو وجوه عراض على المشهد العام وعدم إتاحة الفرصة للمتبرعين لرؤية غيرهم من أهل العفاف والتقوى. ولا تلوموني لو صحت بكم: أرجوكم دلّوني على متعفف حقيقي لنقبّل رأسه في هذا الزمن الذي إختلط فيه كل شيء.
دام ألقكم و تلذذتم بعطائكم،،،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام