خاطبتني بوجْدٍ والدمع محبوسا في مآقيها فقالت: (قبل فترة رغبت في تسجيل ابنتي في برنامج صيفي فطلبوا مني حضور و توقيع ولي الامر فقلت لهم ان وليها خارج البلد ولن يعود قريبا ولكنهم اصروا على توقيعه ولم ارغب ان ادخل في تفاصيل شخصية ففي كل الأحوال هو خارج البلد وكما ان عمهم (الذي هو وليهم) مسافرا ومن الصعب الحصول على توقيعه آنذاك. أصبحت بين نارين هل أوقع انا، وأكون امام الله مزورة ام أحرم ابنتي حضور برنامج مفيد يضيف لها قيمة علمية وإثرائية بدلا من تضييع الوقت في النوم والكسل؟ فابنتي ستذهب الى مركز تعليمي محترم وتحت إدارة حكومية. السؤال هنا: لماذا هذا الطلب؟ فالشرع يطلب حضور ولي الامر في الزواج فقط ولماذا نُدخل ولي الامر في كل شي؟ وبالمناسبة فقد وصلت الى مرحلة اقول لنفسي ربما اذا مت لن يدفنونني الا بموافقة ولي الامر!
لماذا لا يكون حضور احد الأبوين كافيا؟ ففي كل الأحوال ستخرج البنت بموافقة ابيها وتحت نظر أمها (وليس هناك أكثر خوفا على البنت من أمها)، لماذا لا يكون للأم قيمة حتى ولو شكلية؟ وحتى مع تواجد الوالدين ، فالأصل أن الأم هي المربية وهي من تقوم بالدور الاساسي في تنشئة الاجيال و هي من تقضي معظم الوقت معهم وهي من يستطيع تقييمهم ومعرفة مدى صلاحيتهم لأي نشاط. أنا اعتبر نفسي ولية أمر أبنائي فالولاية ليست أسم على ورق، انا التي تربيهم وانا التي تغرس فيهم ما تريد، فمن هو الولي في هذه الحال؟؟؟ أهو الذي يتحمل الويلات لتنشئتهم والقيام بكل ما يلزم لأجلهم ام الذي هو حبر على ورق؟ ومع ذلك لم استطع مخالفة مبادئي والتوقيع وفعلا انتظرت رجوع وليها لتوقيع استمارة القبول والحمد لله تم ذلك قبل انتهاء التسجيل! هذا غيض من فيض وهو ابسط مثال و موقف ممكن ان تواجهه اي أم ( انا لا اتكلم عن المطلقات فقط وانما اتكلم عن وضع المرأة بصورة عامة والأم بصورة خاصة فاحيانا تكون الام وحيدة حتى مع وجود الزوج أما لسفر او لانشغاله أو لظروف أخرى. فما الحل في هذه الحالة؟ لماذا لا تكون الامور بسيطة وسلسة ولا تحتاج الى ضغوط نفسية لحلها؟) إنتهت رسالتها.
أمور المرأة تتعقد في معظم الأحيان ليس بناءا على قاعدة شرعية أو حتى قانونية صلبة وإنما على إجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان. فالمرأة تعاني وبالذات إن كانت مطلقة أو أرملة أو معلقة معاناة يضيق بها صدر الحليم. أستلم بصورة متكررة مثل هذه الرسائل من مطلقات ومعلقات وغيرهنّ فتجول بذهني الخواطر فتبكيني وبالذات إذا كانت الحياة اليومية ذات تحديات جسام لمن وصفهنّ رسولنا الكريم بالقوارير وبكل ما يحمله هذا الوصف النبوي الشريف من معانٍ جليلة ودقيقة.
أيها السيدات والسادة: مرجعنا هو شرع الله المتين ولن يشاد الدين أحد الا غلبه.
وعلى سبيل المقارنة بالعصور الزاهرة، دعوني أتجوّل معكم بجولة زمانية عن مكانة المرأة ومدى اعتمادها على نفسها. فقد كانت الصحابيات يقضين حوائجهنّ فمنهنّ التي تشتري من السوق ومنهنّ من تراجع الرسول عليه الصلاة والسلام في مسألة ومنهنّ من يجهزنّ المؤن للجيوش دون عوائق بل وبكل احترام من المجتمع المحيط بهنّ حيث كان الصحابة يقطعون الفيافي نشرا وإعلاءا لكلمة الله. وبعيدا عن قضاء الحوائج وطلب المسألة، فقد إتجهنّّ لما هو أكبر من ذلك ألا وهو نشر العلم الشرعي والذي يحمل تحديات أكبر ومسؤوليات أجلّ. فعائشة رضي الله عنها كانت تحث سائلها ألا يستحي من عرض مسألته ، وتقول له “سل فأنا أمك ” و أخذ عنها العلم حوالي ( 299) من الصحابة والتابعين ، منهم ( 67 ) امرأة. أما الإمام الشافعي فقد سمع الحديث من نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنها والإمام ابن حزم الأندلسي يقول : ” ربيت في حجر النساء ، ونشأت بين أيديهن ، ولا أعرف غيرهن ، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب وهنّ علمنني القرآن ، وروينني كثيراً من الأشعار ، ودربنني الخط “
وللعلم فأن هذه الأمثلة من باب الأسوة الحسنة لأمهاتنا الصحابيات والتابعيات اللاتي نتشرف بالتأسي بهنّ. وبعد هذه الجولة المفعمة أقول: رفقا بشقائق الرجال كي يقضينّ أمورهنّ بيسر، رفقا بهنّ في أمور حياتهنّ اليومية البسيطة والتي منح الشارع فيها الرخصة حتى لا يكون هناك إفراط ولا تفريط فتزل قدم بعد ثبوتها ولات حين مندم،،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام