مريم القوطية وضريبة الأيمان
بقلم/ أحمد بن صالح الرماح
أيها القرّاء الاعزاء:
دعوني أروي لكم هذه القصة الحزينة التي وردتني من إسبانيا:
مريم….. إسبانية أسلمت من سنين، فارقت زوجها الإسباني الذي رفض إسلامها وخرجت مع بنتيها تشقّ طريق الحياة من جديد ، تعرفت على عربي وتزوجت به على أمل ان يأخذ بيدها الى الله و يعلمها هذا الدين فإكتشفت بعد شهور أنه من أهل المعاصي، يتعاطى المخدرات و يشرب الخمر ويدمن الفاحشة ، عاشت معه أربع سنين عجاف ذاقت فيهم الويل وأنجبت منه ولدا و بنت …. و اضطرت للطلاق بعدما أصبح يضربها و يضرب الأولاد كلّما عرّبد وسَكر …..
كبر ابناؤها و زادت مسؤولياتها المادية ، وبحجابها ضاقت فرص العمل و قاطعتها عائلتها ، يسّر الله لها زوجا عربيا آخر ، ضمّ أولاده الى اولادها فزادت المسغبة و الفاقة ….
احد أبناء مريم (إسماعيل) شاب خلوق كتوم ، لكثرة الضغوط النفسية و المالية ، اصبح له ميل للغلو وأصبح يدخل مواقع مشبوهة و يتواصل مع من يدّعون الجهاد و ما همّ إلا وكالات مأجورة ، ذات ليلة في شتاء ٢٠١٤ حاصرت الشرطة بيت مريم واعتقلت إسماعيل!
إقتيد الصبي المراهق الى سجن بعيد، بدأت الصحافة بقصفها الإعلامي المعتاد على مريم و المسلمين من وراءها وبدأت سلسلة محاكمات ماراثونية وضاق جيران مريم من عشرات الكاميرات التي أحالت حياتهم جحيماً لشهور و طالبوا البلدية بترحيل مريم من سكنها الاجتماعي لكثرة مضايقات الاعلام و الجهات الأمنية.
فخرجت من البلدة التي ولدت و تربت فيها ، و استأجرت في مكان بعيد ، تروح و تغدو على ابنها السجين ، وقد قَضت المحكمة بسجنه خمس سنين.
إلتقيت مريم المسكينة قبل أسبوع ؛ رأيتها وقد نحُف جسدها وبدت ندوب الزمن والآمه تنخر في وجهها، عندما رأتني قالت : ” لا تستغرب اخي لقد عانيت وقاسيت كثيرا ….. ضريبة الإيمان غالية ؛ خسرت الوالدين و الولد و الزوج و أخرجت من قريتي … أدعوا الله لي بالثبات ”
إنها ضريبة أن تقول أنك مؤمن ” أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ”
اللهم ثبّتها و ردّ إليها إبنها و أجرها في بمصابها.
إنتهت رواية صاحبي، ولي بذلك وقفات لتحويل الألم إلى إيجابية وبناء فهناك بصيص أمل ولو من خرم الإبرة:
الوقفة الأولى:
في كثير من البلدان التي أزورها، لا يزال الناس يعتقدون بأننا أحفاد محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وهذا يضع علينا ثقلاً أدبياً مروعاً! فإذا لم نحسن المعاملة والعِشرة، يصاب هؤلاء القوم بصدمة حضارية أليمة!
الوقفة الثانية:
نحمد الله أن خلقنا مسلمين وعلى دين الفطرة ودائماً أتساءل ماذا لو لم نلد على دين الفطرة؟ ومالذي سيحدث لنا؟ وهل نكون ممن يتعب ويتكبد المشاق للوصول الى الصراط المستقيم؟ نظن الأمر سهلا وعاديا وبالواقع هو ليس كذلك!
الوقفة الثالثة:
هناك من يُشوِّه ( بقصد أو بدون قصد ) كل ما له علاقة بالإسلام ويضعه في خانة الإتهام وهذا يضع على العاملين بهذا الحقل مسؤولية كبيرة لتبيين الحق وردع السهام الموجهة وبطريقة حضارية وإيجابية وغير مستفزة!
الوقفة الرابعة:
الإسلام دين الحضارة والحب والوئام ونشر السعادة والألفة بين بني البشر وَيَا وَيْل ثم يا وَيْل من إختطفوه وشَوْهوه يوم تنصب محكمة العدل الإلهية! ومحمد صلى الله عليه وسلم هو فخر الزمان وسيد الأنام وناشر المحبة في كافة الأصقاع وعنوان الإيجابية.
الوقفة الخامسة:
عندما يسلم الشخص وفِي أي مكان من العالم، يجب أن يكون عنوان الإيجابية وعمارة الأرض وبناء الإنسان كما أوصانا الإسلام. فالاسلام يوصي بزيادة الوشائج ونشر الإيجابية والسعادة والبناء.
الوقفة السادسة:
من يتجنس من المسلمين ( والعرب خاصة )، يجب أن يتكلم بثقافة البلد المضيف الذي أحتضنه وآواه وأطعمه وأكرمه وأن لا يكون معول هدم بل أداة بناء وأن لا ينقل معه خلافات موطنه الأصلي المتشعبة والمتجذرة وأن يبدأ حياة جديدة ملؤها الحب والوفاء والبناء دون المساس بالعقيدة فهي ثابتة ثبات الجبال مدى الزمان وفِي سائر الأوطان ولا تعارض بين الأمرين.
الله نسأل أن يعود الضالون من المسلمين إلى رشدهم وأن يثبت القابضين على دينهم وأن يعم السلام والوئام والحب بين البشر وأن يجعلنا نعمل و نطبق الاسلام في جميع مناحي الحياة.
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام