ذهبت قبل مدة إلى جمهورية جورجيا القوقازية لأمر طارئ حيث تعرّض صديق عزيز لي هو وزوجته وإبنه لحادث أليم نتج عنه وفاته مع زوجته على الفور وإصابة الإبن إصابات بالغة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعيداً عن هذا المشهد الأليم، أود أن آخذكم بجولة لبعض المشاهدات التي مررت بها وسمعت عنها في هذا البلد الذي كان جزءاً من جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق وأنفتح مؤخراً للسياحة الخليجية.
فأول شيء لفت نظري هو الكرم الفطري والأصيل لأهل المنطقة حيث يقومو بالدعوة للوجبة قبل مناقشة أي موضوع وبغض النظر عن الوقت. فحينما كنّا في خِضّم الإجراءآت الخاصة بنقل الجثامين وما يرافق ذلك من ألم، قام الضابط بدعوتنا للغداء وأصر علينا بذلك في مشهد غير مألوف في القارة الأوروبية. وللمعلومية، فأن الفقير بإمكانه الذهاب للمطعم وتناول وجبته مجاناً فهذا عرف سائد هناك. ومن الأمور التي شدتني هو سائق سيارة الأجرة الذي كان يتنقل بنا ما بين المستشفى والدوائر ذات العلاقة لما علم بأمر الحادث رفض رفضاً قاطعاً أن يأخذ الأجرة مما وضعنا في حيرة من أمرنا ووقفنا مشدوهين إزاء هذا التصرف الإستثنائي.
أما الأمانة في القوقاز فأمرها عجيب ويحتاج وقفة مطولة لدراسة جذور أمرها فلا تكاد تجد من يلف ويدور ويتلاعب فقد جرّبنا ذلك في الفندق والدوائر الحكومية وعند المطاعم وسيارات الأجرة وهذا أمر يستحق الإشادة.
وحيث أن الشعب الجورجي ينحدر من إثنيات ثلاث رئيسية وهي الأذر والشيشان والجورجيين، فأن لكل نصيبه من هذا الإرث المحمود. فالقرى الجورجية ذات الأصول الشيشانية فأمرهم عجيب حيث تتسيّد ثقافة ( الزقرت ) المشهد وبشكل آسر! فالمرأة هناك تحترم زوجها لحد لا يوصف، فمن خوارم المروءة أن تذكر المرأة إسم والد زوجها أو إخوانه إحتراما لهم وعوضاً عن ذلك، يتم إنشاء كنىً خاصة بهم تحمل صفة التكريم الفائق! وإمتداداً لهذا التبعّل الأثير، فأن الزوجة لا تشارك والدة ووالد زوجها المائدة وإنما تقف في طرفها إجلالا لهما ورغبة في خدمتهما والحال كذلك مع الإبن إذ لا يشارك أبيه المائدة! ومن أكبر العيوب في القرى الجورجية المجاورة للشيشان وداغستان أن يبيت الرجل في بيت أهل زوجته فأن فعل فقد خرق قوانين الزقرته!
يشكل المسلمون عشرة بالمائة من الشعب الجورجي ويوجد في جورجيا أربعمائة مسجد منتشرة في الغرب المجاور لتركيا وكذلك في الشمال المجاور للشيشان. أما العاصمة تبليسى فيوجد بها مسجد واحد عمره أكثر من مائتي عام ويوجد به منبران حيث يتقاسم السنة والشيعة ذات المسجد.
الشعب الجورجي يعتبر متدينا أرثوذكسيا وبشكل لافت حيث الكنائس يؤمها الناس بصورة كبيرة في مشهد غير مألوف في بقية الأرجاء. ومن المشاهدات التي إستغربت منها أن سائقي سيارات الأجرة يقومو بأداء الصلوات لدى مرورهم عند كل كنيسة وما أكثرها من كنائس هناك فهي بكل شارع رئيسي وهذا مُلفت للإنتباه.
الخلاصة أن الشعب الجورجي متسامح وحضاري وذو عادات وتقاليد ترتكز حول الشهامة والكرم في وقت تخلّت بلدان كثيرة عن هذه الطبائع الأخّاذة.
أيها القرّاء الأعزاء:
ما سطّرته لكم عبارة عن مشاهدات مررت بها وسمعت عنها من أهلها ولا تخلو من الزلل فلكل قاعدة شواذ وإنما وددت نقل الجانب المشرق للشعوب. أتمنى إستغلال القواسم المشتركة للشعوب فالإنسان بفطرته يحب الخير والمساعدة لبني البشر.
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام