مساجد شفشاون… حيث للجمال حكاية

شفشاون مدينة حالمة تتربع جبال الريف المغربي وعلى مرمى حجر من تطوان. كل ما في المدينة يسطر بأحرف من ضياء لمحات عن الماضي التليد بكل ما يحمله من مآثر عمّت جميع الأرجاء ومناقب شهد بفضلها البعيد قبل القريب.

مدينة فيها من الطموح ما هو أسطوري فقد كانت احدى نقاط ارتكاز جيوش الفاتحين الذين نشرو الحضارة في الأندلس، ذلك العقد الفريد والزبرجد الآسر!

ولها أيضاً من الحزن نصيب ومن النياحة نحيب! فهي المدينة التي آوت فلول المسلمين الهائمين بعد مصرع غرناطة التي سُلبت زهّوها بعد معراج سمو ينيف على الثمانية قرون! أفول غرناطة كان ولا يزال مدوياً بأذهان كل من تعلق بهذه الحضارة الأطول في تاريخ العالم الإسلامي.

تمّ تأسيس مدينتنا هذه عام 1471م بناءً على أوامر القائد علي بن راشد لتكون قلعة حامية وحصن للبيضة الوليدة ومآلاً للمنقطعين الأندلسيين والذين هاموا في الديار فراراً بدينهم وبحثاً عن إخوان لهم يشاطرونهم السراء والضراء ويخففوا عنهم اللئوآء.

هذه المدينة الجبلية التي يعني اسمها “القرنين” بالأمازيغية، تضاريسها صعبة وانحداراتها مفاجئة وقاسية وأوديتها منخفضة وهي تفرض نوعًا خاصًا من السياحة، فيها المغامرة والبحث عن الجديد واكتشاف اللحظات الجميلة بصمت وجلال وهيبة.

إنها المدينة الزرقاء التي يتم إعادة طلاؤها كل عام في حراك بهجة وسعادة لتعانق زرقتها السماء والبحر!

أكثر مشهد يشد الزائر للمدينة هو منظر النسوة اللاتي تعاهدن طلاء المساجد في وقت محدد كل سنة. هذا المشهد هو بحق يمثل لوحة فسيفسائية وبانورامية تخبرنا بأن الدنيا لا زالت جميلة وأهلها بخير!

فبعد كل شتاء تقوم نسوة شفشاون تطوعا بكنس الأسطح والقراميد و يقمن بعدها بعمل الطلاء بالأبيض و الأزرق لكل مسجد.

فعمل التنظيف والطلاء بشفشاون هو عمل نسوي محض للرقي بمدينتهن إلى أعلى درجات النقاء وهو تقليد أندلسي قديم حمله الأندلسيون بعد سقوط غرناطة إلى هذه المدينة الوليدة.
وللمدينة جانب تسيُّدٍ مثير، فهي تحتضن أقدم مسجد في قارة أفريقيا ذلك المسجد الأعظم ذو الصومعة المثمنة والذي كان مصدر فخر الدولة الراشدية! يا له من شذىً فوّاح وعبير أخّاذ!

إنه الإسلام، دين الجمال والسعادة والرُقي والتسامح والتعايش ورسم البسمة وبعث الروح الإيجابية والفرائحية وتحسين نقوش الحياة لتكون حلوة وآسرة وملهمة، فالله جميل يحب الجمال.

آه……
نسيت أن أخبركم بأن شفشاون تم إختيارها لتكون سادس أجمل مدينة في هذا العالم المليء بالإثارة والأضداد!