غادر دنيانا الفانية وبهدوء صبيحة الجمعة ٢٧ ربيع الاول للعام ١٤٤٤ للهجرة أخ عزيز وأريب وحبيب نذر نفسه للخدمة واغاثة الملهوف والوقوف على حاجة الفقراء في رحلة عنوانها البذل والعطاء والاخلاص ونكران الذات.
دعوني ايها القراء الاعزاء امخر بكم العباب الزاخر لهذا الانسان العظيم. ولعلي ابدأ بسرد برنامجه اليومي والذي لا يحيد عنه قيد انملة مهما كانت الظروف والملمات.
يصحو فقيدنا يومياً قبيل الفجر ويتسابق مع المؤذن لمسجد الحي ويمكث حتى شروق الشمس ويركع ركعتي السنة والتي اوصانا بهاالرسول عليه الصلاة والسلام. بعد ذلك يقوم على حاجات اهله وكذلك حاجات الجيران وبشكل نادر حتىاذا انتصف النهار ذهب لزيارة اقرانه في المراحل الدراسية المبكرة. ويسرع بعد ذلك لمسجد الملك فهد بالخبر حيث يصلي على الجنائز ويرجع عصراً ليصلي مرة اخرى على الجنائز ويدعو للأموات في هذاالمسجد البعيد والمزدحم. اما صلاة المغرب فيصليها ويذهب على عجل للموعد اليومي حيث زيارة الوالدالمريض حتى صلاة العشاء وكان يضيف زيارة اخرى لوالدته المريضة والتي غادرتنا رحمها الله قبل عدة اشهر. اما برنامج ما بعد صلاة العشاء فيقسمه بين صلة الارحام والقيام بأعمال البر ذات الاثر. هذا هو ديدنه اليومي والذي يقضيه بسعادة غامرة لا تعرف الكلل ولا الملل.
اما نحن الجيران، فلنا منه النصيب الاوفر؛ فسعادته كانت في خدمة كل بيوت الحي والوقوف على حاجاتهم وان كانوا غير محتاجين للخدمة. وكانت قمة سعادته ان توصيه بأي شيء فيقوم بالمتابعة اللصيقة حتى تحقيق الامر وبصورة ذات جودة عالية واتقان فريد.
وكان يهتم بالتعليم فيسخر نفسه بالكامل لخدمة الابناء والبنات وكذلك ابناء الجيران حتى يذلل الصعابولا يتوانى حتى اذا اقتضى الامر ان يساعد الجميع في حل الواجبات اليومية والتجهز جيداً للاختبارات.
وكان بعد كل صلاة يصر على مرافقتنا جميعنا مشياً الى بيوتنا حتى ندخل فردا فردا ولا يدخل بيته الا آخر واحد!
وكان عند ورود اي مشكلة في الحي فهو الشخص المعني بحل المشكلة ومتابعة الامر وبصورة نعجزجميعاً عن وصفها. حتى السائقين والعاملين في الحي يعرفهم بصورة شخصية ويتقصى امورهم بشكل لافت قل نظيره ويوصي بهم خيراً! وكنت استغرب واصاب بالدهشة لما يخبرني بعض العمال في الحي، بل حتى سائقي الخاص، ان الفقيد قد قام بحل المشكلة الفلانية الخاصة بهم حتى قبل ان نسمع عنها!
فقيدنا الغالي لم يكن انساناً عاديا بل كان رجلا استثنائياً وبكل المقاييس. فهو خريج ارقى الجامعاتالعالمية وبتخصص الهندسة وله من الدراسات العليا النصيب الاوفر، بل قام بتدريب الالاف من الشباب في المجالات الهندسية والتشغيلية فقد كان كبير السقاة في المؤسسة العامة للتحلية وكان رئيس القطاع الشرقي بأكمله كما كان، ولسنين طويلة، الرئيس العام لمنظمة التحلية العالمية وساهم في تطوير التقنياتالمتقدمة وتوطينها في المملكة.
وبالرغم من كل هذه الانجازات وهذا السجل الحافل بالفخر والسؤدد، فقد كان فقيدنا حريصاً ان يعمل بهدوء وبإخلاص ودون ضجيج. ولهذا، ربما لا يتردد أسمه كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي، فيكفي ان الله يعرفه ويعرف اعماله والتي ظهر لنا منها النزر اليسير فقد كان حريصاً حرصاً تاماً ان لا يظهر اي عمل، فهنيئاً له هذا الاخلاص الذي لا يصل له الا كل متبتل عظيم.
سيفقدك الحي بل ستفتقدك المدينة بأكملها والتي طالما كنت باراً بها وبأهلها. سنفتقد المشي اليومي معكللمسجد وسنفتقد طريقتك الملهمة بالتقصي والخدمة للقاصي والداني وسعة الصدر في معالجة الامور. سيفتقدك الصغار قبل الكبار والذين كنت تجلب لهم الهدايا في طريقك للمسجد. سيفتقدك العمال والخدم وكل شخص عرفك وتعرّف على سجاياك الآسرة. سيفتقدك المسجد والذي كنت قيّماً عليه منذ إنشاءهومتولياً لجميع تفاصيله.
هل عرفتم من هو فقيدنا بل فقيد الجميع؟
انه ابو طلال، عبدالحميد بن عبدالرحمن المنصور الزامل رحمه الله واسكنه فسيح عدن وربط على قلوبنا جميعا اذ ان فقده جلل والمصاب به عظيم ولا نقول الا إنّا لله وإنّا اليه راجعون.
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام