كنت برحلة الأسبوع الماضي في شرق آسيا حيث مررت ببعض المطارات الدولية وشاهدت قوافل الحجيج وهي تغادر بلدانها لزيارة مكة والمدينة ومظاهر الفرحة والبهجة والحبور تعلو محيّاهم لتحقيق هذا الحلم الذي طالما إنتظروه طيلة حياتهم. وفي كل مرة أشاهد هذه المناظر الجاذبة والمبهرة أقوم بسؤال الناس عن شعورهم وهم بصدد هذه الرحلة الإيمانية الأخّاذة فتأتيني إجابات مفعمة بحب الحرمين وبعشق البلد الذي يتشرف بإحتضانهما وكأن لسان حالهم يقول ( هنيئا لك أنك من بلاد الحرمين ) فتتسلل إلى أعماقي خواطر مليئة بالفرحة والإمتنان بأن الله إختار بلدي لهذه المكانة الرفيعة وأي مكانة أعلى وأسمى من إحتضان قبلة المسلمين ومدينة الرسول عليه الصلاة والسلام؟
إن رؤية جموع الحجيج وهم يتقاطرون من جميع أنحاء العالم قاصدي البيت الحرام يجعلني كمواطن أشعر بالزهو والفخر أن وطني من يقوم بناصية هذا العمل النبيل خدمة للحجيج وبأبهى صورة ويجعل إنتمائي لهذا الوطن إنتماءاً ملحمياً.
وقد كنت في الحرم المكي قبل إسبوع ولاحظت الإبتسامة تعلو وجوه عمال النظافة وهم يقوموا بعملهم بشغف لا يوصف وروح المسئولية وحب الخدمة ظاهرة على وجوههم. كما أن رؤية أفراد الشرطة والعساكر وبقية الجهات المسؤولة عن أمن الحجيج تربط لساني فلا أستطيع الا أن أقول جزاكم الله الخير كله فقد كفيتم ووفيتم.
إن إدارة وتفويج الحشود المليونية في وقت محدد وببقعة صغيرة جداً يعتبر من التحديات التي يصعب على أي بلد تحمّلها ما عدا بلد الحرمين الشريفين الذي تمرّس على أداء هذا العمل المبارك وبأبهى حُلّة.
ومن مصادفات هذه السنة أن يكون اليوم الوطني لبلدي هو نفس يوم الحج الأكبر فماذا يعني لي ذلك؟
اليوم الوطني يعني أن أحافظ على سمعة بلدي وأن أكون خير سفير لها في كل أرجاء المعمورة . كما أنه يعني لي أن أحافظ على جيراني وأن أكون وفيا لأهلي وأمينا ومخلصا في عملي وبأداء مهامي التي وُكلتُ بها وبأفضل وجه وأن أشكر الله على النعمة وأحافظ عليها من التبذير والإسراف والمباهاة وأن أرعى الممتلكات العامة ولا أساهم بتخريبها وأن لا يُؤتى وطني من قبلي.
اليوم الوطني ليس مجرد إحتفالية بقدر ما هو إلتزام أدبي وعملي للحفاظ على جميع مكتسبات الوطن وأن نكون لبنة عطاء في هذا الصرح العظيم الذي منّ الله به علينا.
كما أن الوحدة الإسلامية الملحمية في يوم الحج الأكبر وبمكان واحد وبلبس واحد عبارة عن رسالة ربانية بأن وحدة الكلمة هي أساس القوة وأداة التمكين.
وكان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام محبا لبلده مكة فعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنت غيرك”.
يواجه وطني اليوم أعداءاً في الخارج كما الداخل وألسنةً مأجورة تتطاول وشرراً يتطاير وعقولاً متقازمة تتصيد بالماء العكر فكان الله بعون وطني ورعى الله بلاد الحرمين.
بلدي بلد الحرمين الشريفين نفداها بدمائنا وبالغالي والنفيس فهي التي جادت علينا يوم إكفهر الزمان وهي التي أغدقت علينا يوم جف الضرع وهي الحاضنة لكل هموم الأمة العربية والإسلامية وقت الضيق وحين الشدة ولما تدْلٓهمٌ الخطوب ويشط الرأي.
الله نسأل أن يحفظ بلد الحرمين الشريفين ويسدد خطى ولي الأمر ويجمع الكلمة ويوحد الصف ويجلي الغمّة وأن يرفع من شأن الأمة كي تعود لخيريتها التي قال فيها جلّ شأنه ( كُنْتُمْ خير أمة أخرجت للناس ).
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام