مسجد قل شريف…جوهرة التاج التتري

قل شريف عبارة عن مسجد في قازان عاصمة جمهورية تتارستان والتي تقبع في قلب الإتحاد الروسي. وقبل الخوض في تفاصيل مسجدنا هذا، دعوني أيها القراء الأعزاء أمخر بكم عباب هذا الكيان الجغرافي العجيب. فروسيا كانت جزءاً من الإتحاد السوفيتي والذي تفكك عام 1991 م والذي كان يحتل مساحة قدرها 22 مليون كم مربع. ومن عظم الإتحاد السوفيتي، فقد كان به 12 منطقة زمنية وخمس مناطق مناخية. ولما تفكك هذا الإتحاد الشاسع والمكون من 15 جمهورية، كان الوريث الكبير هو الإتحاد الروسي والذي بدوره يتكون من 22 جمهورية فيدرالية ويستحوذ على ثمن المساحة المأهولة للأرض وبمقدار 17 مليون كم مربع.  هذا الكيان المترامي الأطراف ذو الفسيفساء الأثنية المعقدة وذو التاريخ الضارب في القدم والذي كان يسمى بلد الصقالبة والبلغار، يعطي لوحة سريالية عن جمهورية تتارستان المسلمة.

فقد إنتشر الإسلام في هذه البقاع عن طريق وفد أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله بطلب من قيصر الصقالبة في القرن العاشر الميلادي. وكان من بين الوفد الرحالة أحمد بن فضلان والذي نجد أسمه في كل مكان حاليا من جمهورية تتارستان. ويعتبر يوم قدوم الوفد تاريخا مجيدا يتم الإحتفال به سنويا.

ورجوعا إلى مسجدنا، فقد سمي نسبة للقائد البطل والمفكر البارع قل شريف الذي توفى هو وطلابه أثناء الدفاع عن العاصمة قازان ضد القوات الروسيةبقيادة إيفان الراهب ( والذي يسمى الرهيب ) في عام 1552م وقد تم تدمير المسجد بالكامل وأخذت حجارته لبناء الكنيسة الرئيسية بالميدان الأحمر في موسكو بنفس السنة والتي تعتبر أيقونة معمارية لحد الآن.

وظل مسجدنا قرابة خمسة قرون مدمر حتى أعيد بناؤه وبمساهمة سخية من المملكة العربية السعودية وبقية الدول عام 1996 وتم افتتاحه في  عام 2005. يتسع المسجد لخمسة الآف مصلي في مساحته الداخلية بالإضافة إلى عشرة الآف مصلي في الباحات الخارجية و يضم أكبر مصحف في العالم والذي يزن ثمانمائة كيلوغرام. أما وزن الثريا فهو طنين ونصف وقطرها خمسة أمتار. وكل ما في المسجد عبارة عن ثراء معماري وهندسي وهو المقصد الأول لكل من يزور قازان إذ يعطي إنطباعا يسلب الألباب ببهائه ورونقه المعماري التتري الأخاذ.أما موقع المسجد الحالي فيبعد تقريبا مائة متر عن الموقع الأصلي للمسجدوالذي تم بناء كنيسة محله.

ومن وجهة نظري ومن خلال تجوالي في مساجد المعمورة، يظل مسجد قل شريف جوهرة التاج ويستحق الزبارة والتمعن في تفاصيله الرائعة والتي لا تدعك ترحل حتى تنهل من معينها الصافي ذو اللمسات الخالدة!