الجميع في هذه الدنيا مشغول ويركض في اتون معركة يومية لاهبة لا تجد لها قرار ولا تكاد تكفيه ساعات اليوم الاربع والعشرون.
دعونا نبسط الامر اكثر. هل حقا ان ساعات اليوم غير كافية؟ وكيف ” نمدد ” هذا اليوم ونجعله طويلا بحيث ننجز كل مالدينا من مهام متعددة وقوائم انتظار اطول؟
وفي هذا السياق، دأبت كبرى الجهات العالمية على إعطاء منسوبيها دورات في إدارة الوقت وضبط المهام ضمن الاطار الزمني المطلوب ولكن لا تزال المعضلة عصية على الحل فالواجبات تتزايد والاوقات تضيق.
ولطالما تساءلت؛ هل القادة العظام الذين لم تكن لديهم وسائل المواصلات الحديثة واجهزة الاتصالات فائقة السرعة والذين ملؤوا الدنيا انجازات ولا تكاد تجد موقعا في هذه المعمورة الا ولهم به أثر، كانت ايامهم مثل ايامنا وساعاتهم ودقائقهم كانت مثل الذي عندنا؟ هل كان يومهم ٢٤ ساعة ام اكثر؟ انه لسؤال محير اقف دوما امامه مشدوهاً.
وكي يكون الامر جلياً، دعوني أضرب لكم بعض الامثلة المذهلة لمنجزين فاقت انجازاتهم قياسات الوقتالمتعارف عليه.
فالإمام ابن الجوزي، هذا الجهبذ الذي عاش في القرن السادس الهجري، وحتى يحافظ على كل دقيقة من وقته، كان يطلب من زائريه وطلبته تجهيز ادوات الكتابة وهم يتحدثون ويتدارسون معه حتى لا يذهبالوقت هباءً، وكما قال ” فجعلت من المستعدِّ للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام، وحزم الدفاتر “
وهذا مانسميه في وقتنا الحاضر
” متعدد المهام وفي نفس الوقت “
او ما يسمى باللغة الانجليزية ” Multi Tasking “.
كما يُروى عنه انه كان في أحايين كثيرة يبلل طعامه بالماء كي لا يأخذ وقتاً طويلا في مضغه. ولا نستغرب من هذا الامام تأليفه لمئات الكتب والمصنفات وبوقت قياسي.
اما الامام ابن قيم الجوزية، فله من غنيمة فن ادارة الوقت سهماً مُعلّى. فقد كتب في شتى المجالات وأسهب بجميع صنوف المعرفة. فتجد له مؤلفات عن الكيمياء والطب والفلك والفيزياء. كما له مصنفات كُثُرفي العقيدة والسيرة والعروض. فقد كان رجلاً موسوعياً وذو قلم سيّال.
ومما يُروى عنه، وحتى يحافظ على وقته، فقد قام بتأليف كتاب ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” وهو من خمسة مجلدات اثناء استراحاته برحلته من الشام الى المدينة المنورة.
يا الهي، كيف كان يقوم بكل ذلك اثناء سفره والذي كان قطعة منالعذاب؟
وحيث انه توفي في الستين من عمره، وبحسبة بسيطة، إذ انه قام بتأليف اكثر من مائة كتاب ماعدا تلك التي اختفت ولم تصل لنا، يكون قد الّفَ كتاباً لكل ثلاثة اشهر وبعض هذه الكتب يحوي مجلداتكثيرة!!!
حصل كل هذا الانتاج العظيم بالرغم من عدم تواجد الاوراق والاقلام والتجهيزات التي لدينا فيوقتنا الحاضر.
اما ابن عقيل الحنبلي فقد قام بتأليف كتاب الفنون والذي يحوي ٨٠٠ مجلد في شتى صنوف المعارف!!
ولما طلب منه طلبته اختصار الكتاب قال قولته البليغة ” الله المستعان ضعفت همة الناس ” وقام بإختصارهذا الكتاب ليكون ٣٣ مجلداً وفي وقت قياسي!!
والحقيقة، اننا لو استعملنا المنطق وتحققنا من الأمر ” بالآلة الحاسبة ” عبر تقسيم المهام على العمروساعات اليوم، لكان الامر ضرباً من الخيال المبالغ فيه اليس كذلك؟
اذن اين يكمن السر وراء كل هذهالانجازات المذهلة؟ هل كان يومهم ٢٥ ساعة مثلاً؟
وعند حضوري لبعض مجالس الادارات في الشركات والجمعيات الخيرية، اسمع البعض من رجال الاعمال المشغولين جداً يذكر عن كتاب ضخم قرأه حديثاً وعن المجلدات التي انتهى من قراءتها قبل فترة وجيزة حتى اضطررت لسؤال احدهم وهو من كبار رجال الاعمال ولا تجد في وقته برهة لأخذ موعد ” اخبرني من اين لك الوقت لقراءة كل هذا؟ ” فكان الرد الحاسم منه ” انا اصنع الوقت “.
توقفت طويلا عند كلمة ” اصنع ” فالمسألة متاحة ولكن بشرط ” الصناعة ” والصبر والمصابرة.
وكي نكون واقعيين، لنطرح هذا السؤال: كم دقيقة استطيع توفيرها في اليوم والتي تذهب حاليا هباءً فيمهام غير اساسية؟
سنُفاجئ ان لدينا ساعات كثيرة وليست مجرد دقائق مهدرة باليوم نستطيع توفيرهافي حالة ادارة اوقاتنا بإحترافية عالية. ولنتفق ان الوقت هو اعظم ثروة يتم هدرها.
جرّب ان تعطي مهمة عاجلة لشخص مشغول جدا فستجده ينجزها بالوقت المطلوب وبجودة عالية اذ ان كل دقيقة عنده لها ثمن باهض. وجرب ان تعطي ذات المهمة لشخص فارغ فلن ينجزها لك في الوقتالمطلوب هذا ان انجزها لأن الوقت ليس له قيمة عنده. وكما قيل ” أعط الشغل لمشغول “
ايها القراء الاعزاء: هل عرفتم المقصود بالساعة ٢٥؟
انها ساعة البركة التي لن نحصل على بعضها حتى نسخر كل جوارحنا للحفاظ على اوقاتنا التي منحها الله لنا بما هو مفيد. عند ذلك فقط ستكون بركة العمرولذة الانجاز.
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام