حكايتنا اليوم عن مسجد ليس ككل المساجد. أنه أيقونة معمارية مبنية من الطين ويعتبر أكبر بناء طيني في العالم. وقبل الولوج في صلب الموضوع، دعوني أسبر أغوار الدولة التي يقع بها هذا المسجد العظيم الا وهي جمهورية مالي هذا القطر الكبير في غرب أفريقيا والذي تغطي الصحراء الكبرى النصف الشمالي منه بينما تمتد الغابات في بقية الآرجاء.
وربما الكثير منا لا يعرف عن تاريخ هذه الدولة القديم. فقد كانت إحدى منارات الإسلام بعد أن دخلتها الدعوة الإسلامية عبر الفاتحين الأوائل، وعلى الأخص دولة المرابطين بالمغرب في القرن الخامس الهجري.
وقد تمكن أشهر اثنين من ملوك مالي من بسط نفوذ متميز في المنطقة، قوامه سلطة عسكرية قوية، وثراء فاحش غير مسبوق في التاريخ.
وكان أول هؤلاء، أبوبكر الثاني، الذي عده مؤرخون المستكشف الأول للقارة الأميركية قبل كريستوفر كولومبوس بقرنين، والذي عاش في القرن 14 الميلادي.
أما الملك منسا موسى ( وريث الملك أبي بكر ) الذي عد أثرى رجل عبر التاريخ، فقد كان أشهر زعماء إفريقيا والإسلام في القرون الوسطى، وقد اشتهر كذلك بفضل رحلته الشهيرة إلى الحج. وكانت القاهرة أشهر محطاته للحج، حيث استقبله المماليك عام 1324م، حيث وزع في القاهرة وفي مكة وفي كل مكان مر به الذهب، ما أدى إلى انخفاض الذهب في العالم أجمع وأدى ذلك إلى حالة تضخم سريع لعشرين سنة تالية بسبب ذهب تلك الرحلة.
وفي ذاك العهد أشتهرت الحركة العلمية وكانت جامعة سانكوري هي منارة العلم في أفريقيا.
وعودة لمسجدنا والذي يقع في مدينة حينية وعلى ضفاف نهر الباني فقد بني في عام 1907م ويعتبر من أهم وأبرز معالم القارة السمراء ككل، الأمر الذي حدا منظمة اليونسكو لحمايته كأرث بشري عالمي. أما المسجد الأصلي فقد بناه الملك كوي كونبورو عام 1240م في موقع قصر عامر قبل أن تصبح جينيه عاصمة لامبراطورية مالي. وعندما تولى الغازي المسلم أمادو لوبو مقاليد الأمور في المنطقة عام 1834أمر بهدمه باعتباره بهرجا وترفا غير لائق!
تتعرض مدينة جينيه بشكل شبه منتظم لفيضان النهر وتصبح في هذه الحالة مثل الجزيرة. وهذا أمر انتبه اليه مصمم المسجد، السيد تراوري فشيد المسجد على دكة عالية تبلغ مساحتها 5625 مترا مربعا يعود اليها الفضل في حماية المبنى من الغرق حتى في أسوأ الفيضانات.
ويشارك السواد الأعظم من سكان جينيه في صيانة المسجد من آثار الأمطار والشقوق والتي يحدثها تغير درجات والحرارة والرطوبة عبر احتفال سنوي يقام خصيصا لهذا الأمر. وفي الأيام التي تسبق هذا الاحتفال يوضع الطين والتبن في حفر كبيرة وتترك مهمة خلطهما للأطفال في مهرجان بهيج وآسر وأخاذ. ثم يقام سباق بين حفر الطين والمسجد نفسه يفوز فيه الرجل الذي يتمكن من الوصول بثقله إلى عمال البناء قبل غيره. ويتم الأمر كله بإشراف «رابطة البنائين الماليين» وتحت أنظار كبار القوم الذين تقام لهم منصة شرف خاصة بالمناسبة في ساحة السوق التي يطل عليها المسجد. إنه عمل تطوعي مختلف يكسب المدينة رونقا وبهاءاً وبشكل لافت وساحر!
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام