قامت شركة نستله بشراء حق توزيع منتجات سلسلة مقاهي ستاربكس في العالم مقابل صفقة مدوية تنيف على السبعة مليارات دولار. ربما الخبر يبدو بظاهره إقتصادياً محضاً كحال معظم الإستحواذات والإندماجات والشراكات التي يتم عقدها يومياً في قطاع الأعمال، ولكن لنا مع هذا الخبر وقفة بل وقفات!
فشركة نستله التي تبلغ من العمر ١٥٠ عاماً ليست كأي شركة ويكفي قصة كفاح مؤسسها الصيدلي هنري نستلة ومحاولاته العديدة لإنقاذ حياة الأطفال الرضع الذين كانوا يواجهون التحديات في القرن التاسع عشر حتى نجح بتطوير الحليب المجفف عام ١٨٦٠م والذي ساهم بشكل كبير ليكون بديلاً عند وجود صعوبات لدى المرضعات. فقد زاد الطلب بشكل لافت على هذا الحليب أثناء الحرب العالمية الأولى ثم مر بمرحلة كساد بعد ذلك فلم يكن أمام الشركة الإ القفز مرة أخرى وذلك بتطوير منتجات الشيكولا. وعندما تدنت مبيعات الشركة إبان الحرب العالمية الثانية، قامت بتقديم منتج النسكافيه فأنتعشت التدفقات النقدية وجرى الدم بعروق الشركة. وضربت نستله الأسواق مؤخراً عن طريق إختراع كبسولة نيسبريسو. وفي كل مرة تنحدر المبيعات تجدد الشركة جلدها وتنطلق بقوة وكأنها طائر الفينيق الأسطوري! ووراء كل إنتعاشة جديدة شخص أدلى بفكرة فلم تذهب هباءاً وإنما يتم دراسة كل فكرة إبداعية بعمق وجدية ويتم منح صاحبها الفرص الكثيرة والوقت الوفير والميزانيات السخية لإثبات فكرته. ولعلي في مقال لاحق أسرد لكم قصة كفاح صاحب فكرة كبسولات نيسبريسو والتي يباع منها حاليا المليارات سنوياً! ومنعاً لتعارض المصالح، فأن نستله تمنع المسوقين لمنتجات الأطفال من التواصل مباشرة مع الآباء والأمهات وإنما فقط مع أطباء المجتمع كي لا يكون هناك تفضيل لمنتجات دون غيرها!
أما شركة ستاربكس الحديثة نسبياً والتي تبلغ من العمر ٤٨ ربيعاً، والتي أسسها معلم تاريخ ومعلم لغة وكاتب صحفي، فلها حكاية مختلفة! فهي مثال للطموح الجامح والذي يسير بسرعة فائقة إذ يبلغ عدد فروعها ١٧ ألف فرع وتدار بطريقة إستثنائية حتى أصبحت مثالاً يحتذى في عالم التوسع وفن إدارة سلاسل الإمداد مع المحافظة على جودة المنتج!
وعند تحليل الخبر، فالصفقة السخية عبارة عن شراء حق البيع للمنتجات دون المساس بالعمليات التشغيلية لمقاهي ستاربكس! يا إلهي! مالذي يدعو العملاق المسمى نستله لتقديم هذا العرض السخي بينما تتسيٌد منتجاتها الأسواق؟ إنها النظرة الواقعية وإستشراف المستقبل. ولكن ما دعاني لكتابة هذه السطور ( وأعذروني لتطفلي على الشأن الإقتصادي ) ليست الصفقة بحد ذاتها وإنما العبر والدروس المستخلصة من هذا التصرف الجرئ والذي يدعونا جميعاً للتوقف عنده بحنكة وتؤدة ودرسه ملياً. إنه بإختصار تسامي العمالقة والسماع للآخر والإرتفاع سوياً!
وعلى النقيض من ذلك، كم من شركة عظيمة وإمبراطورية مالية ضخمة تهاوت كالريش في أيام معدودة بسبب صَلَفِ مدير أو تعجرف مسؤول أو تصعير خدٍ لمسّوقٍ ونتج عن ذلك تسريح مئات الآلاف من الموظفين وتأثر أسرهم إقتصاديا؟ وما قصة نوكيا عنا ببعيد!
وحيث أن مقالاتي تركز على الشأن الخيري والإجتماعي، أهيب بزملائي في القطاع الثالث للتجدد وسماع الآخر وتبادل الخبرات وعرض الخطط التشغيلية فيما بينهم والتعاضد الخيري والتآزر لتعظيم المنفعة وخفض التكاليف وتحقيق الأثر الإجتماعي والسعي نحو الإستدامة فمن لا يتجدد يتبدد ومن لا يتقدم يتقادم. إنها دعوة لنزع البورنيه ( غطاء العين الذي يوضع على الجياد أثناء السباق كي لا ترى غيرها ) والإستفادة من الآخر والنزول من الأبراج العاجية في حالة وجود مصلحة مشتركة تعزز الكفاءة وترفع الإنجاز مع ضرورة الحفاظ على التركيز وجودة المنتج.
دمتم ودام إنجازكم،،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام