سأل رسولنا الكريم جارية فقال لها أين الله؟ فقالت في السماء، فقال لها من أنا؟ فقالت أنت رسول الله، عندها قال لها إذهبي فأنت مؤمنة وأمر سيدها بعتقها. هذا التصرف الحضاري من قبل سيّد البشر يعتبر نبراسا للحياة نستلهم منه الدروس ونستخلص منه العبر. لم يخض الرسول عليه الصلاة والسلام بتفاصيل الإيمان أو بما تعتمله سرائر القلوب وإنما أخذ بظاهر القول وحملها على المحمل الإيجابي.
في وقتنا الحاضر أُّبتلي العالم الإسلامي بظاهرة البحث عن خبايا القلوب ومعرفة مكنونات النفوس حتى تم إخراج البعض من الملّة وتم نعت البعض بأقذع النعوت ، رغم أن هذا الحق هو لله وحده فهو القاضي بين البشر وهو يعرف خبايا النفوس “هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم إجنّة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن إتقى “. يوميا نسمع عبارات مؤلمة تعكر صفو الحياة فهذا علماني و ليبرالي والآخر سلفي متشدد وذلك حليق ومسبل وهذه الفئة ليست على المذهب الصواب والطريق القويم إلى ما شاء الله من النعوت التي ما أنزل الله بها من سلطان. إن ثقافة إلغاء الآخر وحصر الخيرية بفئة معينة دون سائر البشر تعتبر من ألد أعداء الحضارة والتطور والإمتزاج مع الآخر.
فبعد الحروب الدموية السياسية والدينية التي عصفت بأوروبا منتصف القرن العشرين، تنادى القوم ونبذوا كل خلافاتهم وأنطلقوا من قاعدة عمارة الأرض والإنسان حتى أصبح من شروط بعض الدول للتجنس بجنسيتها التنازل عن كل الألقاب الدينية والأثنية كي يشترك الجميع ببناء الحضارة أما القيم الدينية والعقدية فهي بين العبد وربه. إن المترصدين بهذه الأمة يعيشون أبهى أيامهم وأسعد لحظاتهم وهم يرون الأمة كالفخار يكسّر بعضه بعضا وبحماسة منقطعة النظير!
وإليكم قصة من قصص المبادئ السامقة والتي تكتب بماء الذهب. فقد أرسل هرقل إلى معاوية بن أبي سفيان “علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنّا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً أوله عندك وأخره عندي يأتون إليك برأس علي”. فلما وصل كتابَ هرقل لمعاويةَ، طلب من كاتبه أن يخط على ظهر الرقعة (وفي ذلك إشارة مهمة) الرد التالي: “أخان تشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما وتعلي من نباحك؟! إن لم تُخرِس نباحك أرسلت إليك بجيشٍ أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي”، وأمر برد الرسالة لصاحبها. ويقال أن هرقل أرسل نفس الرسالة لعلي بن أبي طالب فرد بمثل ما رد به معاوية من رفضٍ مطلق أن تطأ أقدام جيش الروم أرض الشام لدعمه. وقد سُئل الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز عن فتنة الجمل وصفّين فقال “تلك فتنة عصم الله دمائنا منها فلنعصم ألسنتنا منها”. فأين نحن من هذا العصر الزاهر الذي كان يستلهم المعين النبوي ويتغذى على رحيق آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار؟ لماذا نكون وقود نار إشتعلت منذ 1400 سنة ولم نكن شهودا لها حتى نكتوي بأتونها؟
أيها السيدات والسادة إنها الفتنة إذا أطلّت برأسها الخبيث فلا تبقي ولا تذر ولنا في أوطان تجاورنا أكبر عبرة وأعظم آية. لندع الحكم على الأشخاص فهذا إختصاص رب الأشخاص وهو أعلم بهم ولنترك التنابز بالألقاب والإستعلاء على بعضنا البعض ولنبدأ بعمارة الإنسان وبناء الأوطان. ومما ورد عن الشيخ إبن باز يرحمه الله أن العيش في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله. نعم، فالعيش لعمارة الأرض وصناعة الإنسان يعتبر من أصعب الأمور وأشدها تحديا ولا يقدر على ذلك إلا أصحاب الهمم العالية.
وأخيرا أختم بالتصرف النبوي الكريم لما قتل أسامة بن زيد الرجل الذي نطق بالشهادتين خشية أن يكون النطق للسلامة والتخلص من القتل فعاتبه الرسول صلى الله عليه وسلم أشد العتاب علما بأنه حُب رسول الله وإبن حُب رسول الله فقال له “هلا شققت عن قلبه”. أتمنى أن يكون مذهب هلا شققت عن قلبه هو المذهب السائد وإلإ فإن الفتنة إذا أقبلت لن تدبر قبل خطف أرواحا بريئة وحرق الأخضر واليابس. أبقاكم المولى بود متلاحمين،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام