لطالما كان هاجس الأيتام ذوي الظروف الخاصة مسيطراً على ذهني وفؤادي لسنين طويلة وكم من مقال كتبت بهذا الشأن ومقترحات أوصيت بها حتى تعرفت على تجربة ثرية هذا الأسبوع خلاصتها أن الدنيا لا تزال بخير مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ).
فقد سمعت مؤخراً أن هناك تجربة متميزة في خدمة الأيتام يقوم بها شخص منذ قرابة الثلاثين سنة ومبتعداً عن كل الأضواء والتصاريح الصحفية والفلاشات المغرية ويؤدي عمله بكامل الإحترافية والمهنية ودون الرجوع لدراسات إستشارية أو معايير أداء وقياس الأثر والعائد على الإستثمار المجتمعي فهو يؤدي عملاً عظيما وكأنه أمة لوحده!
أغراني الخبر فيممت وجهي شطره وشددت الرحال لمدينته وأثنيت ركبي عنده لأنهل من هذه المعارف ولأتشرف بهذا المعين الوضّاء ولكم هالني ما رأيت من عمل متفانٍ ومستدام وفكر نيّر أخّاذ وشغف خيري غير معهود!
أخذ صاحبنا على عاتقه رعاية الأيتام بشكل غير تقليدي. ولأجل هذه المهمة وقبل أن ينشئ داراً خاصة بهم، أخذ يتردد على دور الأيتام لمدة عشر سنين كي يعيش التجربة وينام معهم يومياً ويطببهم ويربت على أكتفاهم حتى أضحى لهم الوالد الحنون والأم الرؤوم ووصل الأيتام لمرحلة أنهم لا يستطيعون النوم إن لم يكن ( أبوهم ) معهم وبشكل يومي!
يحدثني بطلنا أنه في يوم من الأيام إرتفعت حرارة أحد الأيتام وأخذ يهذي ولم يستطع أحد في دار الأيتام ولا حتى الطبيب المداوي إيجاد الحل المناسب حتى تم إستدعاء هذا البطل فما لبث أن عرف السبب وقام بضم اليتيم الى صدره فقد كان اليتيم يبحث عن علاج آخر غير الدواء فداؤه الفقد والحاجة للمسة إنسان يشاطره الألم! أخذ اليتيم يقطع نياط القلوب ببكاءه حتى زال عنه العارض!
وبعد مضي السنوات العشر، أنشأ صاحبنا بيتاً ليكون محضناً للأيتام وأختار هذا البيت بعناية ليمكث فيه أكثر من بيته! إختار في البداية ثمانية أيتام فقام بتربيتهم وتعليمهم حتى تخرجوا من أرقى الجامعات في المملكة وخارجها وكان يحرص على إختيار هذه الجامعات إختياراً دقيقا كما يرشد الأيتام لأفضل التخصصات. وبعد تخرج هؤلاء الطلبة يقوم بتوظيفهم والسعي لهم لدى جهات توظيف متميزة. لم ينته المشوار بعد! فبعد توظيفهم يقوم بتزويجهم! لم ننته بعد! فعند ولادة الزوجة، تقوم أم عبدالعزيز ( زوجة صاحبنا ) بكامل مسؤوليات النفاس وكأن الزوجة اليتيمة إبنتها بل أكثر! يا إلهي! لم أتمالك العبرات وهي تسيل على المآقي فقد حبست لساني تيك العبرات وحلقت بعوالم ملائكية لم أكن أتوقع وجودها بيننا!
القصة لا تزال في بداياتها! فعند وقوع مشاكل زوجية بين الأيتام واليتيمات حديثي الزواج، تتكون خلية أزمة من صاحبنا وزوجته لحل المشكلات وإرجاع الأمور إلى نصابها!
أما المعيشة اليومية للأيتام فقد إطلعت عليها عن قرب حيث تتواجد الدفعة الثانية من الأيتام حاليا وهم على وشك التخرج من الجامعات وخوض الغمار. فالايتام يعيشون ببيت عماده السعادة والرفاه والتمازج الآسر. فكل السُبل مهيئة لهم من مأكل وملبس وخدمات حياتية يومية. وللمعلومية، فصاحبنا يختار للأيتام أفضل الثياب وأرقى الطعام بينما هو يعيش حياة زهيدة متواضعة!
وربما تتسائلون بأن صاحبنا قد يكون محروماً من الذرية مثلا أو أن أحواله المادية ميسورة فهو ليس كذلك إذ أن له أسرة كبيرة فاضلة وله من الذرية العدد المبارك. كما أنه موظف بسيط وليس من رجال الأعمال!
وكي يكون العمل مستداما ومن باب توريث العمل الخيري، قام صاحبنا بتدريب إبن أخيه للقيام بهذه الأعباء فسار هذا الإبن المبارك على نهج عمه وأخذ بزمام الأمور أخذاً إحترافياً غير مسبوق! وللمعلومية، فتوريث الاعمال للصف الثاني هو أكثر الأمور تحديا في القطاع الخيري!
في الحقيقة، لم أتمالك نفسي وأنا أرى بأم عيني هذا المشهد الأثير وأسمع قصصاً لم أكن أعلمها من قبل. إنه الشغف الخيري لما يخالط سويداء القلب! إنه العمل بروح النائحة الثكلى لا المستأجرة! عندها فقط يصبح المستحيل سهلا رقراقاً وبلسماً ناجعاً وتلك معادلة لا يفهمها إلا من يلج بأتونها! فلا يعرف الشوق الإ من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها!
كما أن صاحبنا وطوال الثلاثين السنة المنصرمة يحرص على البعد عن الأضواء والتركيز على الإخلاص بالعمل ولا يأبه إن عرفه الناس أم إن لم يعرفوه فيكفي أن رب العزة والجلال يعرفه. فقد ذكر ابن كثير في تاريخه، أنَّ السائب بن الأقرع قدم على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يبشره بنصر المسلمين في معركة (نهاوند) ، فسألهُ عمر عن قتلى المسلمين، فعدّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل عمر يبكي ويقول: (وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين ؟ ! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر ؟ ! ). فلا يضر صاحبنا إن لم يعرفه أحد!
هل عرفتم بطلنا هذا؟ إنه الشهم السموأل إبراهيم السلوم والذي نسأل المولى جل وعز له الرفعة والسداد والسؤدد وأن يكون مع نبينا عليه الصلاة والسلام ( كهاتين ) في الجنة وأن يجزيه خير الجزاء ( وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ). فقد أتعبت من بعدك أيها السلوم!
الحقيقة يا بو مساعد لك معزة يشهد الله عليها ،
ابتسامتك محياك لها طله فريدة ،
اما أبو الأيتام جزاه الله 1000 خير
سوف يجي جزاءه عنده ربُ كريم
لا هو التقدير والاحترام ولك مثلها يا أبا مساعد
جزاك الله الخير كله أستاذي العزيز أبا بدر فأنت معلمنا ودائما تشجعنا وتحفزنا فشكرا لك ثم شكرا