نعيش ونرفل، ولله الحمد والمنة، في ظل مجتمع متماسك يعشق الأعمال الخيرية بفطرته السليمة ومتأصله في ذاته السوية حيث يحرص عليها ويبذل الغالي والنفيس من أجل إسعاد اﻵخرين.
ونلاحظ منذ فترة حماس الشركات نحو تأسيس أقسام للمسؤولية الإجتماعية وهذا ينمّ عن إحساس كبير بالمسؤولية تجاه وطنهم ومجتمعهم. ولو رجعنا للوراء قليلا للاحظنا كذلك أن هذه المسؤولية الإجتماعية تدرجت منذ تأسيس معظم الشركات من عمل خيري تقليدي إلى برامج خدمة مجتمع إبداعية حتى وصلت اليوم إلى أنواع كثيرة من البرامج الغير المسبوقة على رأسها القيم المشتركة للشركات حيث تكون المسؤولية الإجتماعية محفزا لقطاع الأعمال التجارية في تلك الشركات.
وقد تختلف نظرة المجتمع للشركات فترى ولاء الناس أكبر وبشكل ملحوظ لتلك التي لها عطاء مجتمعي كبير بينما التي يقل عطاؤها للمجتمع تتذيل قائمة إهتمامات المجتمع فالإنسان جبل على حب أهل العطاء.
وقد لفت نظري عند حضوري لإجتماعات أكاديمية وتقنية في اليابان أن عروض الشركات هناك عادة تبدأ بسجلها في المسؤولية المجتمعية وعند سؤالي لهم عن علاقة ذلك بالإجتماع يكون الجواب عادة أن هذا من صلب العمل بل أهم من القطاع التجاري ذاته!
وعند تأسيس برنامج مسؤولية إجتماعية في الشركة يجب رسم خطة أعمال لمدة 3 سنوات تنطلق من الرسالة والرؤية وتكون بمثابة خارطة طريق توضح بها توجه البرنامج بشكل عام. تنبثق من هذه الخطة خطة تشغيل سنوية وبإدارة متكاملة يتم من خلالها التركيز على أعمال محددة على أن تتم مراقبة هذه الخطة ومراحلها وبشكل دوري وبتقارير أداء ثابتة كل ستة أشهر. خطة الأعمال هذه يجب أن تكون نتاج لرؤية واضحة ورسالة حقيقية وليست مجرد ترف فكري. وحيث أن التركيز أساس النجاح، يفضل أن يكون البرنامج مبني على مبادرات قليلة ومتخصصة لتحقيق أكبر أثر مجتمعي مع أقل قدر ممكن من التشتت. أما العاملون في برامج المسؤولية الإجتماعية فيجب أن يكونوا متفرغون للعمل ويجزل لهم العطاء حالهم كحال القطاع التجاري كي يكون عندهم الحافز للإنتاج والإبداع. كما ونتمنى أن نرى الكشوفات المحاسبية لبرامج المسؤولية الإجتماعية في الشركات معلنة بالصحف المحلية لتكون هناك شفافية تامة كما أوصي بنقل الخبرات والتجارب لبقية الشركات وتأسيس نظام حوكمة صارم.
وكي يتم مكافأة الشركات ذات برامج المسؤولية الإجتماعية المتميزة، أقترح إنشاء “مؤشر المسؤولية الإجتماعية”. فهذا المؤشر ما هو إلا أداة لقياس الأداء الخيري وخلق نوع من التأسي الإيجابي والقدوة الحسنة في هذا المجال البكر والذي تسوده الإجتهادات والضبابية في الرأي عوضا عن الأخطاء المرتكبة نتيجة عفوية الأداء والممارسة. هذا المؤشر يتم بناؤه عبر عناصر مهمة مثل المواطنة والإستدامة والحفاظ على البيئة والإبداع وغير ذلك من المؤشرات الساسية لنهضة أي مجتمع.
ولعل تموقع برنامج المسؤولية الإجتماعية في قلب الهرم الإداري أمر بغاية الأهمية. فالكثير من الشركات العالمية تكون مرجعية برنامج المسؤولية الإجتماعية فيها هو رئيس الشركة وفي بعض الأحيان لرئيس مجلس الإدارة نظرا لإهتمامهم بهذا الشأن وتكون للبرنامج إستقلالية تامة بآلية إتخاذ القرارات وغير ذلك من أمور مفصلية.
ولعلّي أعرّج على مسألة توريث (الولع الخيري) في برامج المسؤولية الإجتماعية. فالعمل الخيري يجب أن يصل لمرحلة الولع والعشق المستدام حينها فقط تكون الأعمال متميزة وبأرقى المعايير. أما إذا كان العمل الخيري مجرد وظيفة كأي وظيفة أخرى، فحينها يصبح تصحيح مسار البوصلة الخيرية واجبا!
وختاما، فالمسؤولية الإجتماعية للشركات ليست ترفا فكريا وإنما من أوجب الواجبات فبذلك تبنى الأوطان وتخدم المجتمعات بالتي هي أحسن،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام