أيها الطارق للخير
أفل نجم من نجوم القمة مؤخراً وغادر دنيانا الفانية بعد ٨٨ سنة من العطاء المتواصل والمشوب بالألموفسحة الأمل. لن تجدوا اسمه في وسائل التواصل الاجتماعي فقد كان يعمل بصمت ولا يأبه أن عرفهالناس وذكروا مناقبه، فيكفي أن الله يعرفه.
دعوني أمخر بكم عباب بحر هذا الجهبذ الزاخر بكل معاني العطاء والشعور بالآخر. فقد كان كبير اخوانهونشأ نشأة قرية تعتبر الابن الاكبر بمثابة الاب الثاني من اول يوم يخرج به للحياة. قبِلَ هذا التحدي،وبالفعل كان الاب الحاني للعائلة الكبيرة برغم حداثة سنة ووجود الوالدين. ثم انتقل للعيش في مدينةكبيرة واقترن بأبنة عمه التي شاطرها رحلة حب حقيقي استمرت زهاء السبعين سنة وكانت مليئةبالتحديات الحزينة إذ فقد إبنته الوحيدة ذات العشرين ربيعاً قبل اربعين سنة، ثم فقد ابنه الاكبر قبلخمس سنوات، ثم فقد شريكة حياته قبل عدة اشهر. وبالرغم من كل هذه التحديات المؤلمة فقد كان صابراًمحتسباً لا تكاد تسمع منه الا كل أمرٍ ايجابي وعمل محفز، وهذا لا ينفي بكاءه كأزيز المرجل لما يختليبنفسه عند ذكر خوالي الأيام.
وبالرغم من فارق السن الكبير، فقد كان يتصل بي بين الفينة والأخرى يستفسر عن حدث علمي او عنابتكار هندسي يفيد البشرية، فقد كان شغوفاً بالعلم والعلماء وبكل ما يساهم بتقدم الأمة ويكون سبباًلنهضتها. وكان عندما يناقشني لا يتكلم بأمور الحياة الاستهلاكية وانما كان يركز على سُبُل النهوضوالارتقاء بالبشر فقد كنت أشعر بإثراء باهر لما أجالسه اذ كان توّاقاً لأخبار العلم وأهله.
وكان رحمه الله شديد الصلة بكل الاقارب والمعارف ولا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يسأل عن الجميعويطمئن على احوالهم. وكان يبادرني دوماً بالتواصل ويسأل عن جميع افراد العائلة القريبين والبعيدينويحثني على البر بالجميع وعلى صلة الارحام وكان يتحسر اذا سمع ان فلاناً لا يصل الرحم او أن فلانةقد انفصلت عن زوجها. ولا يتوانى البته في قطع المسافات الشاسعة ويتجشم العناء برغم تقدمه بالعمرليحل مشكلة اجتماعية او يشفع لفقير او يصلح بين متخاصمين.
اما اعمال البر، فقد تقلد ناصيتها وانبرى مندفعاً تجاهها بشكل يصعب إقتفاؤه. فأمتدت اياديه السخيةللمعوزين في شتى البقاع بالرغم انه لم يكن من ذوي الدخول المرتفعة. وكل يوم نفاجئ بقصة ملهمة عنفقير ساعده ومحتاج اقال عثرته وارملة سد عوزها ويتيم تكفل بدراسته ومريض كان يمده بالدواء ومعوزكان يدفع عنه ايجار البيت والعديد من القصص التي سمعناها من أناس شهدوا بذلك بعد رحيله. وكانوجيها وذو حضور ووجاهة عند الجميع. وكان لما يشفع بأمر يُقضى بسهولة ويسر.
وتعدى بره دائرة الاهل والاصحاب الى دوائر كبيرة وآسرة. فقد سمع ذات مرة ان القرية التي اتت منهاخادمته ليس بها مياه شرب فلم يهدأ له بال حتى حفر لهم بئر ماء. وكان يزود المستشفيات بكراسيللمعاقين والمصليات بما يحتاجوه لكبار السن. ولا أنسى ذات ليلة ان اتصل بي وكان حزينا لأن جسرهيت على نهر الفرات لا يعمل، فقد كان متألماً أشد الالم، وتذكرت حينها ان الشعور قد تخطى حدودالعائلة والاقارب ليكون شعوراً بالإنسانية جمعاء فهذا شعور الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعىله سائر الجسد بالسهر والحمى. وكم من المرات يتصل حزينا على قرية اصابها أمر جلل في بقعة نائيةمن هذا العالم او عن مجتمعات تعاني من اللأواء في بقاع سحيقة لا نعرفها. انه الشعور العظيم عندمايتسامى الانسان وينكر ذاته ويصبح ديدنه مساعدة الآخرين وإقالة عثراتهم.
رحل بهدوء وترك ذكريات محفورة في اعماق عقولنا وببواطن سويداء قلوبنا، فبكته المُقَل وتقرحت من اجلهالمآقي، فرحيله ليس كأي رحيل وغيابه ليس كأي غياب فهو عمود الخيمة وحزام الظهر وعصابة الرأس. هكذا فليكن الرحيل…..
الله نسأل له فسيح عدن وشآبيب الرحمة وروح وريحان ورب راض غير غضبان.
لعلكم ايها القراء الاعزاء تريدوا معرفة أسم هذا النجم الآفل والراحل الغالي؟
انه طارق بن ابراهيم اليحيى ….
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام