من يتابع الأخبار في هذه الأيام يلحظ تسارعا محموما ودعوات تمس عددا من الأمور التي نشأ عليها المجتمع مما لها علاقة راسخة بالدين أو بالموروث الاجتماعي لتأخذنا في طريق جديد الملامح تحت مظلة شعارات مختلفة مثل مناقشة جدل فقهي حول كشف وجه المرأة أو غير ذلك من مواضيع تسطيحية يراد لها أن تكون محور حديث المجتمع الذي يواجه تحديات كبيرة وعميقة تمس أمن البلاد داخليا وخارجيا وتشتت طاقاته. فلم هذه الإثارة بما تحتويه من آلام وتحديات وتطورات متسارعة تدع الحليم فيها حيرانا.
أحاول متابعة التوجهات، وأجتهد لفهم مكنون هذه الدعوات التي تأتينا من الشرق ومن الغرب، وأيضا تلك الدعوات التي تأتينا من بعض بني جلدتنا، وممن يتطلع إليهم المجتمع ليكونوا سواعد بناء ونماء، عبر قنوات كثيرة تصب في خانة نزع أخلاقيات عاش بها المجتمع وارتضاها، بالإضافة إلى إلهاء الشباب والشابات بهذا الكم الهائل من الملهيات فتسلب منهم هويتهم فيعيشون بعدها حالات ضياع مقيتة.
فمسألة كشف الوجه أمرها واضح والأمر به فسحة لا تحتمل كل هذا الضجيج والمغالطات. ودين الله متين ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.
ولعل الكثير من الأقران، وفي ضمن هذا السياق، قد لاحظوا معي في الحقبات الثلاث التي عايشتها في السبعينيات الميلادية وما قبل ذلك، حيث كانت النسوة يختلطن بالرجال بشكل يومي والجميع كان محترما والنوايا كانت بريئة وطيبة والمجتمع كان حينذاك فاضلا ومتدينا تدينا فطريا والناس يعيشون بوئام خالص لا غبش به.
وبعدها وفي نهاية السبعينيات توجه المجتمع نحو التزام ديني متميز وأصبح أقل تسامحا بشأن الاختلاط، وتمت معالجة بعض الأمور بصورة لم تخل من التشويه والتشنّج الذي لا يقرّه الشرع ولا يرتضيه.
ثم بدأت موجة التديّن تتأثر ببداية التسعينيات مع مجيء القنوات الفضائية وتأثيرها على المجتمع بشكل غريب عن عاداته ومبادئه فصارت تبث قيما وأفكارا لا صلة لنا بها. هذه الموجة الأخيرة أحدثت إرباكا فلا هي أرجعتنا لما كانت عليه الأحوال قبل الصحوة من ناحية البراءة والخلق القويم، ولا هي تركت الملتزم بالتزامه والمنفتح بانفتاحه، وكثير من المتابعين يرون أن هذا السيل الإعلامي الجارف لن يهدأ له قرار حتى يقضي على ما بنته الأمة ويهدم كل خلق وموروث اجتماعي أصيل.
وإذا رجعنا للسيرة العطرة في العصور الفاضلة نجد أن الصحابيات رضوان الله عليهن يسألن رسول الله في المسجد ويختلطن بالصحابة اختلاطا حضاريا ومهنيا لا يحتمل سوء التأويل. وبالمناسبة، فإن بعضا من كبار علماء السلف الصالح أخذوا علمهم من امرأة. فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة وهي تاج على رؤوسنا، ومنها تعلمنا ولا زلنا نتعلم، ويجب أن تبقى في موضعها الراقي وفي أسمى مكانة بيننا.
هناك سؤال يتكرر مع كل حادثة، وهو لماذا كل هذه الجلبة وبهذا الوقت؟ وماذا يراد بنا؟ ولماذا يتصرف الطرفان ( دعاة التحرر ومناويئهم ) تصرفات تتسبب بإرجاع الأمة قروناً للوراء في جدل عقيم تم فضّه والبتُّ بشأنه منذ قديم الزمن…؟
ولماذا ندخل بين العبد وربه ونغوص بالنوايا…؟
وهل بظهور وجه المرأة ستتقدم الأمة وبتغطيته ستغرق في دياجير الظلام…؟
وهل المرأة طلبت منكم تحريرها وهل هي مستعبدة أصلا…؟
وهل سنقابل رب العالمين يوم القيامة بحجج واهية كي (لا يزعل ) علينا فلان أو تنتقدنا فلانة…؟
وهل هذا الجدل يعبّر عن أهم قضايا الأمة…؟
وهل وهل وهل… حتى طلوع الفجر!
أيها السيدات والسادة:
مجتمعنا فيه من السلبيات المهنية والأخلاقية ما يحتاج منا إلى تضافر الجهود لمعالجتها وبناء بلدنا ضمن منهجية تقطع عنا أيدي المعتدين وتواجه كيد العابثين، فلتكن جهودنا متفقة مهما اختلفت وجهاتنا أو آراؤنا لصلاح المجتمع لا أن نفتح جبهات لا تزيدنا إلا خسارا، ولنبق لنا ذكرا طيبا دائما عندما تكون لنا اليد الطولى في خدمة هذا البلد ونمائه والحفاظ على مكتسباته وتقوية اللحمة بين أبنائه. إن الأمة تئن مثقلة بجراح تتطلب من أهل الرأي والعلم والثقافة التركيز على القضايا الأهم.
أدعوا إخواني الدعاة إلى الرفق بالمجتمع وبالجدال بالتي هي أحسن مع من رأى رأيا مختلفا، فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه.
كما أدعو المتحدثين الذين يطرحون آرائهم عبر القنوات الفضائية أن يقدموا ما لديهم بأسلوب حضاري ويدعوا إلى الحوار الهادئ ولا يسلب المجتمع مكنوناته الأصيلة.
وأدعوا الجميع إلى عدم جرّ الأمة لمعارك جانبية يكون الكل فيها خسران، وأن يضعوا خلافاتهم جانبا ويساهموا في بناء الأوطان وخدمة المجتمعات كي تستمر مسيرة التقدم والنهل مما تم من إنجازات. فلنتمثل جميعنا المشهد المتزن حول الكعبة شرفها الله حيث الجميع يعبد الله وينغمس بطريقته الخاصة بغضّ النظر عن اللباس وكشف الوجه أو غير ذلك من قشور.
وأخيرا أختم بحديث نبينا الكريم (أن الحلال بيّن وإن الحـرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى
يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في
الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي القلب).
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام