كنت في رحلة إغاثية الى الصومال قبل فترة وأضطررت إلى التوجه لمقديشو حيث كان الوضع الإنساني مؤلما فوجدت منظمات إغاثية عاملة على الأرض وأخرى عاملة (إفتراضيا)! وحين رجوعي إلى كينيا وجدت جميع المنظمات العاملة (إفتراضيا) تمكث طيلة الوقت في فنادق خمس نجوم ويتلذذون بكل الأطايب ويتنقلون بالطائرات الخاصة وأكثر وسائل النقل رفاهية وكأنهم في نزهة مدفوعة الأجر (وأي أجر)! وعندما سألتهم ماذا فعلتم للاجئين وما هي خططكم لإغاثتهم، كان السؤال عليهم ثقيلا كجلمود صخر هدّه السيل من عل! وكانت المفاجأة (مفاجعة) من العيار الثقيل عندما علمت أن المصاريف الإدارية لهذه المنظمات تتجاوز الخمسين بالمائة من قيمة التبرعات المدفوعة! فتذكرت قول الشاعر (ويحك لا تزني ولا تتصدقي)! وحين الغوص في التفاصيل، وجدت أن هناك من يبرر هذه النسبة المرتفعة نظرا للمخاطر المحدقة والآلآم النفسية المفجعة التي يتعرض لها منسوبو الإغاثة والذين علمت فيما بعد أنهم يذهبون إلى اللاجئين لإلتقاط الصور وإبراز ذلك أعلاميا (إلا من رحم الله وقليل ما هم). هذا الأمر أصابني بألم وحرقان لم أستطع إستيعابه أو تجاوزه.
ثم حدثتني نفسي أن (أغوص) في ذات الشأن لجمعياتنا الخيرية فوجدت العجب العجاب فأضطررت إلى تناسي الأمر برهة من الزمن. بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية ( وهذا ليس للتعميم إذ توجد أمثلة كثيرة نيّرة وشفافة) لديها ترهّل كبير وتسيّب هائل بما يخص أموال الزكوات والصدقات. فلا ندري كم دخل ولا كم خرج ولا أين تم الصرف ولا لماذا تم الصرف بالرغم من وجود تدقيق محاسبي من الجهات المسؤولة. وهذا يعزز نظرية ضعف المخرجات بالرغم من قوة المدخلات فالجميع يشتكي ولا من مجيب. وبنظرة سريعة (غير فاحصة) يتضح أن النسبة الإدارية للجمعيات كبيرة وتتجاوز 30 بالمائة في بعض الحالات. وتعتبر هذه النسبة كبيرة في حالة ضخامة المبالغ المودعة. ولعل نسبة 10 بالمائة تعتبر معقولة وإذا تم تجاوزها يجب التحقيق والتأكد من عدم وجود فوضى إدارية. ومن باب الشفافية والحوكمة، أدعو الجمعيات الخيرية لنشر كشوفاتها المحاسبية الختامية في الصحف كي يكون المتبرعون على إطلاع ودراية فكشف الحساب في الدنيا أسهل بكثير من كشفه يوم تزل الإقدام. كما وأدعو المتبرعين إلى التأكد من جهات التبرع وأن لا تأخذهم العاطفة فكفانا إستعجالا وكفانا أخطاءا. أما الشركات التي تتبرع للجمعيات فأدعوها إلى توقيع عقود ملزمة ومذكرات تفاهم واضحة مع هذه الجمعيات وفي ذلك فوائد كثيرة للجمعيات حيث ستكون الأمور شفافة وترتفع معايير الأداء ويتم التأكد أن التبرع قد وصل إلى قنواته المرسومة.
ولعلى أختم بقصة محبطة فقد حدثني أحد إئمة المساجد أنه في يوم من الأيام أعطاه أحد المصلين مبلغا كبيرا من المال وقال له (تصرّف) يا شيخ! وهنا الطامة الكبرى حين لا نحدد وجهة التبرع ولا نطلب إيصالا أو تقريرا. فيقول تصرفت وإشتريت سيارة لأني من (العاملين عليها) ثم تصرفت بالباقي! ثم سألني هذا (الشيخ) عن رأيي فحمدت الله أني إلتزمت الصمت وتمالكت أعصابي وإلا فكان للأمر تكملة مأساوية!
أدعو إلى التمعن بقوله تعالى (والعاملين غليها) ففي ذلك دستورا كاملا لمن أراد الإلنزام به. وكان الله بعون اللاجئين الذبن ينتظرون وصول تبرعاتكم!
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام