أتاني شاب في مقتبل العمر وجسمه مفتول العضلات ولا ينقصه شيء ليكون قائدا عظيما يشار له بالبنان وقال لي أنه فقير محتاج للمصروف. ولمّا تحمست معه وعرضت عليه وظائف هنا وهناك وفرص عمل شريف بدأ (يتعلّث) ويبدي شتى أنواع الأعذار ليتملص من هذه المسؤولية الكريهة فهو يريد مصروفا شهريا فحسب وبدون نصائح وتوجيهات وبغض النظر عن كرامة النفس وراحة الخاطر. أواجه يوميا مثل هذه الحالات وبصورة مقلقة تجعلني حيران وأتساءل: لماذا تغيّر المجتمع؟ ولماذا أصبحت عادة مد اليد مستساغة بعد أن كانت جنحة مجتمعية؟ فالفقر ليس عيبا ولكن الإستسلام له وإستسهال مد اليد هو العيب المشين فقد قال رسولنا الكريم (لا يزال العبد يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) وفال عليه الصلاة والسلام (لأن يأخذ أحدكم أحبُلةُ ثم يأتي الجبل ، فيأتي يحُزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجههُ، خير له من أن يسأل الناس، اعطوه أو منعوه)، فمن يمد يده مرّة سيمدها مرّات ومن يفقد ماء الوجه فمن أين له بماء الكرامة والعز والسؤدد؟
في معرض حديثي هذا، سأتطرق لفئة من الشرائح التي تستطيع كسر آفة الفقر بعد التوكل على الله بطرق كثيرة ومتعددة وبمساعدة الحكومة والمجتمع إذ أن كل السبل متوفرة لتحقيق عيش مناسب وحياة مكتفية. ولكن (ولأسباب كثيرة) تستمر هذه الشرائح بالنزول لقاع الفقر المؤلم. وللأسف تتميز الشرائح المعنية بالصفات التالية:
• الكسل والخمول
• السلبية المطلقة
• عدم تقبل النصح والإرشاد
• سوء تدبير الحياة
• عدم وضوح الأولويات
يجمع هذه النقاط ويتربع على عرشها رأس الثالوث البغيض “الجهل”. فالجهل هو أساس المشكلة وأُس كل بلوى ويمثل سوسة تنخر بالمجتمع المتماسك.
وربما نساهم (من حيث لا ندري) بتعزيز ثقافة الفقر وتسارع وتيرة الترهل في المجتمع من خلال أعمال تقليدية نقوم بها قاصدين وجه الله ولكن دون أن نبذل الوسع والطاقة في التحري والتقييم وإستشارة أهل الرأي الحصيف. ومن أمثلة هذه التصرفات التي يجب الإبتعاد عنها ما يلي:
• إعطاء المال النقدي للمحتاجين
• مساعدة المتسولين في الشوارع (والذين أغلبهم بلا شك عبارة عن شبكات متناهية بالترتيب والتنسيق تستغل طيبة المجتمع)
• ثقافة صرف المعونات بطريقة عشوائية دون بذل الجهد لإعطائها لمستحقيها المتعففين الحقيقيين والذين هم بحاجة فطرية.
• تكدس توزيع المساعدات في موسم واحد وعدم تخطيطها لبقية العام مما يولد (التخمة) لدى الفقراء في هذا الموسم.
• الحرص على تنمية البطن والجسد على حساب الفكر والعلم
ألا ترون أن من تتصدقون عليهم هم أنفسهم من كان أباؤكم يتصدقون عليهم وأخشى أن يكون أبناؤكم هم من ستصدقون على أبنائهم في المستقبل. إننا في هذه الحالة نساهم في إستدامة الفقر عوضا عن إستدامة الكرامة والعمل. ألا يسأل من يدعي الفقر نفسه إلى أين وحتى متى؟ وأود التكرار هنا أن هذا المقال خاص بأولئك القادرين على العمل ويأبون إلا الهوان. أما ذوي الظروف الصعبة من مرض وإعاقة وغيرها فلا حرج عليهم ونسأل الله لهم العون والسداد.
نحن في عالم أصبح من النادر العثور على المتعفف الحقيقي بسبب تغطية شرائح معينة على المشهد العام وعدم إتاحة الفرصة للمتبرعين لرؤية غيرهم من أهل العفاف والتقوى.
ولعلّي أختم بقصة عمر الفاروق صاحب الدرّة. فقد روي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأى ثلاثة نفر في المسجد منقطعين للعبادة فسأل أحدهم من أين تأكل؟ فقال: أنا عبد الله، وهو يأتيني برزقي كيف شاء، فتركه ومضى إلى الثاني فسأله مثل ذلك فأخبره أن له أخا يحتطب في الجبل فيبيع ما يحتطبه فيأكل منه ويأتيه بكفايته، فقال له: أخوك أعبد منك ثم أتى الثالث فسأله فقال له: إن الناس يروني فيأتوني بكفايتي فضربه بالدرة وقال له اخرج إلى السوق. أيها السيدات والسادة يا أصحاب البر والتبرعات: أعتقد آن الأوان لتفعيل درّة عمر وبحزم شديد على أولئك القادرين والذين يأبون إلا أن يكونو عالة على مجتمعهم. أدام الله عليكم لباس البر والتقوى،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام