سأروي لكم هذه القصة:
في صحيح ابن حبان عن قصة فتح نهاوند بعد ذكر انتصار المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن رضي الله عنه واستشهاده في المعركة وتولي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : “وكان عمر رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله وينتظر مثل صيحة الحُبْلى، فكتب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما قدم عليه، قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الشرك وأهله، فقال: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، وقال: ومن ويحك؟ فقال: فلان وفلان وفلان حتى عَدَّ ناساً، ثم قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم. فقال عمر رضوان الله عليه وهو يبكي: لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم”.
قادتني هذه الرواية الخالدة إلى رجل شهم يعيش بيننا فهو مثال حي على العطاء ونكران الذات والعمل بخفاء تام. تعرفت على صاحبنا منذ بداية الثمانينيّات الميلادية ثم قطعتنا مشاغل الحياة حتى التقينا في إطار عمل خيري عام ٢٠٠٤. إليكم تفاصيل هذا الفذ والذي لن تجدوا له صورة في الشبكة العنكبوتية ولا في وسائل التواصل الإجتماعي حيث أنه يؤثر العمل للآخرة وفِي هدوء منقطع النظير بينما عنده جميع المقومات والإمكانات ليظهر ظهوراً بارزاً يبهر الجميع ويخطف الأضواء لو أراد.
بدأ صاحبنا عمله الخيري والإجتماعي منذ نعومة أظفاره حيث كان يمر على بيوت الجيران في القرية التي كان يقطن فيها كل صباح ليسألهم إن كان ثمة حاجة يقضيها لهم قبل أن يقضي حوائجه الشخصية أو حتى قبل أن يفطر أحياناً!
ثم تطور الأمر أكثر لما إلتحق بجامعة البترول عام ١٩٧٧م في قسم هندسة تصاميم البيئة حيث أخذ على عاتقه مساعدة الطلبة الجدد والسعي بترتيب أمورهم وحل مشاكلهم لدرجة أن تخرجه من الجامعة تأخر بسبب نسيانه لذاته وتفرغه لخدمة الآخرين فهذا العشق الأبدي الذي يعيشه ويتلذذ بمزاولته ليل نهار.
ولم يتوقف العطاء عند هذه المرحلة، فلدى خوضه الحياة الوظيفية بوزارة المياه، سَخَّر كل الإمكانات لخدمة الناس والوقوف على طلباتهم ( وأي طلبات )! فكل من ينقطع عنه الماء يرى هذا الإنسان مستعداً لخدمته والوقوف على حاجته حتى تنقضي. وحيث أن صاحب الحاجة أرعن كما يقول المثل ولا يرى إلا حاجته، إلا أن هذا الضغط الجماهيري لم ينل من سعة صدر صاحبنا بل زاده صبراً ومودة! وَمِمَّا زاد من دهشتي، أن صاحبنا حتى بعد تقاعده يقوم بمراجعة الوزارة بصورة شبه يومية حاملا معه رزماً من فواتير الفقراء للمتابعة والتأكد والمساعدة!
والجدير بالذكر، فأن بطلنا هذا يعشق البر والصحراء عشقاً غير مألوف وله في ذلك حكايات وحكايات حيث أن المخيم لا يقوم بدونه والاستشارات البرية من غيره منقوصة!
ومن أبرز المهام الخيرية التي يزاولها هي التطوع المهني المتخصص وبنظام ( بروبونو ) حيث يقوم بالأخذ على عاتقه القضايا المختصة بترميم بيوت الأسر المحتاجة وبناء البيوت والمساكن الخيرية والإشراف عليها ولوجه الله تعالى.
أما برهِ بوالديه، فأجد نفسي متقازماً أمامه فهو مثال البر وخدمة الوالدين فقد قام على رعاية والديه والسهر على طبابتهما حتى إنتقلا للرفيق الأعلى.
تواصلت معه الأسبوع الماضي لأستأذنه بنشر المقال فرفض رفضاً قاطعاً. إتصلت به بعد ذلك بيومين لقضاء حاجة عامة فقضى لي حاجتي بكل يسر وسهولة ولَم أدر حينها أنه كان في المستشفى وكان تحت تأثير سبع غرز في الرأس إثر حادث أليم أرقده الفراش ولَم أعلم عن هذا الحادث الا بعد ذلك بثلاثة أيام!
يا إلهي! لا زالت الدنيا بخير ولا زالت الأرض ولاّدة بالطيبين!
مناقب صاحبنا كثيرة ويضيق المجال بذكرها فهذا غيض من فيض أردت من خلاله إبراز شخصيات خيِّرة ونبيلة وتعمل في الخفاء وبشكل إيماني لافت وبتجرد عزّ مثيله في هذه الأيام.
إنها أيها السيدات والسادة لذة العطاء تغمر صاحبها في آفاق رحبة ينسى من خلالها أي رغبات شخصية فيعيش في عالم الإحسان والحبور والسؤدد المستدام.
هل عرفتم صاحبنا الذي يتعبنا دوماً بقصصه الآسرة وعطاءه النبيل؟ وما ضره إن لم نعرفه فيكفي أن الله يعرفه! ولأنها أمانة، ولأنه أصر على عدم ذكر أسمه، أكتفيت بذكر إسمه الأول في عنوان المقال!
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام