في صبيحة يوم ربيعي من عام ٢٠١٢ وانا القي كلمة في مؤتمر الإعاقة بالخبر، بادرتني سيدة امام الحاضرين والذين كانت تضج بهم القاعة الكبيرة وقالت سئمنا من وعود التجار في خدمة ذوي الاعاقة. في الواقع أُسقِطَ بيدي إذ لم اعلم ان كنت مقصوداً بذلك ام لا. ثم اردفت قائلة: ماذا عساكم ان تقدموا لأبني ياسر ذو الثمان سنوات وامثاله من ذوي متلازمة داون؟ وهل بالإمكان إنشاء مركز خاص بذوي هذه المتلازمة يفي بجميع متطلباتهم؟
كنت حينها امام خيارين، اما ان اعطيها جواباً عاما يخلصني من الالتزام ويكون بمثابة التملص الفوري المريح، او ان اقوم بأخذ جرعة من الجرأة التي لا ادري اين ستأخذني حيث ان إحتمالية المخاطرة هنا كبيرة جدا. صمتُ برهة امام الجمهور ثم قلت لها ” ابشري “.
وبعد هذا التعهد الفوري طفقتُ بحثا عن مخرج يحفظ ماء وجهي او عن اي طريقة تلهمني للوفاء بهذا العهد. رفعت سماعة الهاتف على اسرة المهيدب فقلت لهم لقد تكلمت بأسمكم وأعطيت عهداً ولا ادري عن تفاصيل هذا الامر البتة ولا عن تكاليفه المادية المفصلة. فكان جوابهم القاطع والذي اجمعوا فوراً عليه وكأن الجواب سهم خرج من كنانة واحدة ” نتوكل على الله ونمضي بهذا المشروع ولا نبخل بأي شيء لهذه الفئة الغالية “!!!
أصبحت الآن امام واقع لا مناص منه ولا مفر. فأم ابراهيم ( هي ذاتها ام الطفل ياسر ) تنتظر الوفاء بالوعد واهل العطاء ينتظرون البدء بالمشروع الضخم والذي يجب ان يلبي طموح ذوي المتلازمة بالشكل المطلوب وعلى اعلى المعايير العالمية. تلفت يمنة ويسرة وبدأت بالبحث عن الارض حيث بادرت وزارة التعليم بالتعهد بها ثم تدحرجت كرة الثلج الخيرية حيث بدأت مرحلة التصاميم متبوعة بمناقشة افضل الخيارات المتاحة من هندسة قيمية ومعايير بيئية ثم تلا ذلك مرحلة التقاول للتشييد واعداد المناهج التدريبية بالإضافة لمئات المهام المتعلقة بمركز متخصص وذو حجم كبير وغير مسبوق في المنطقة.
ثم اتت ساعة الصفر وبعد عشر سنين من العمل المتفاني لإفتتاح هذا المركز والذي تم إطلاق اسم ” هبة ” عليه حيث ان الاطفال هم هبة الله وذوي متلازمة داون هم من اكثر الاطفال مرحاً وحبوراً وتواصلاً اجتماعياً. اتت اللحظة للتواصل مع ام ابراهيم ليكون ابنها ياسر هو قلب الحدث في افتتاح المركز وذكرنا لها ولأبي ابراهيم ان الوعد دين على صاحبه وها نحن نفي بهذا الوعد بعد هذه السنين الطوال.
اتى ياسر لحفل افتتاح مركز هبة وقد اصبح شاباً عمره ثمان عشرة سنة وقرأ القرآن ايذاناً ببدء انطلاق باكورة اعمال هذا المركز المتخصص في مشهد مهيب يحمل الكثير من الرسائل التي ذكرت والتي لم تذكر. وقد عنون مقدم الحفل كلمته ب ” ابشري أم ابراهيم ”
انها لم تكن كلمة مجاملة عابرة بل كانت عنوان مسيرة وفاء سطرتها اسرة المهيدب في ابهى حلة واجمل تفاعل. كيف لا والمركز أضحى ركيزة مجتمعية كبيرة وشجرة وارفة يتفيأ ذوي المتلازمة من ظلالها ولبنة عطاء للوطن الذي لم يبخل علينا بشيء فالجوهر بالبشر لا بالحجر.
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام