تخيّل أنك تصحو صباحاً على الرسالة التالية من وزارة العدل:
” صاحب الهوية رقم ….. صدر عليكم أمر بالتنفيذ بموجب الطلب رقم …. بتاريخ …. وفي جال عدم التنفيذ خلال 5 أيام سيتم تطبيق الإجراءآت النظامية بحقكم “!
تكتشف لاحقاً أن هذه القضية مرتبطة بمطالبة مالية لا ناقة لك فيها ولا جمل وكل الذي إقترفته أنك كفلت شخصا ما كفالة غرمية قبل سنين ونسيت الموضوع!
طبعا هذه الرسالة مقلقة للغاية وتقض المضاجع وتجعل الحليم حيران. كما أنه في وقت الأزمات يغادرنا التفكير السليم ونتصرف بأنماط تفكير متشنجة وبعيدة عن العقلانية تحت الظروف الضاغطة كهذه الحالة.
دعوني أيها القراء الأعزاء أقوم بتحويل هذا الخبر السلبي إلى نصائح وإرشادات إيجابية في محاولة للتنبيه والتوعية بها الشأن وكي لا يتحول “الجميل والفزعة” إلى مطالبات قضائية وصداع رأس مستمر!
بادئ ذي بدء، أود الإشارة إلى أن مساعدة الناس بالقرض الحسن وتخفيف المصاب على الغارمين، يعتبر من الأمور التي حثت عليها الشريعة. ففي الآية الكريمة “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً”. وقد قال رسولنا الكريم “من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة، ومن أنظره بعد حله كان له مثله في كل يوم صدقة”.
وكي ننال الأجر من رب العزة والجلال وبنفس الوقت تكون علاقاتنا الإجتماعية متوازنة ولا يصيبها الفتور والشطط بسبب الخلافات المالية المعقدة، إليكم جملة من النصائح عبر مسيرة إمتدت لأكثر من ربع قرن بهذا المعترك الحسّاس ذو الشجون والجروح التي لا تندمل:
فعندما يطلب شخص ما سلفة مالية، يتم تقييم الأمر بعناية ومناقشة طريقة التسديد. فأن كان الأمر غير مريح، يتم إعطاء هذا الشخص ( في حالة المقدرة والرغبة ) جزءاُ من المبلغ وإحتساب ذلك صدقة لوجه الله. وبهذه الحالة تتم المساعدة ولو جزئيا وبنفس الوقت يتم تجنب مشاكل مستقبلية كثيرة ومريرة قد تؤثر على العلاقة بهذا الشخص وقد تتنافر أسر كبيرة بسبب الخلافات المالية. كما أن الإعتذار في حالة عدم المقدرة لا يعتبر مثلبة إجتماعية أو عيبا مشينا. إن كلمة ( لا ) فد تنجينا مصاعب جمة في المستقبل وتوفر علينا جهودا مستنزفة.
ومن أبرز القضايا التي يقع بها بعض أفراد المجتمع هي الوكالات والكفالات وعدم متابعتها. أنصح بفرز هذه الوثائق بين حين وآخر وإلغاء البعض منها والتي قد تثير زوابع مستقبلية وإبقاء البعض الأخر والذي نحتاجه بصورة ماسّة كي لا نتفاجأ بوكالة أو كفالة توردنا المهالك!
أما الشراكات المالية والتجارية، فكما أنها وسائل عظيمة للتوسع السريع، فهي حقول ألغام قد تنفجر في أية لحظة الا من رحم الله من الشركاء الأتقباء والأنقياء والذين يحفظون الود والمعروف ولا ينتقصون الحقوق ولا يبدأون بالفطيعة ولا يبادرون بثلم العلاقة. إن كنتم تستطيعون الوفاء بأعمالكم وممارسة التوسع بعقلانية والوصول إلى أسواق أخرى دون الحاجة للشراكة مع الأخرين فأفعلوا! فنمو صغير متزن خير من تسارع لا يمكن السيطرة عليه لاحقا! إن مرحلة النمو والأرباح تنسينا غالبا وتعمي عيوننا عن بعض القواعد الأساسية والتي لا ننتبه لها إلا عندما تتباطء الأسواق وتتصاعد المخاطر! وأرجو من القراء الأعزاء وضع ذلك في الميزان ومشاركة تجاربهم بهذا الحقل المملوء بالعبر!
ولو كان هناك ثمة نصيحة أسديها في هذا المجال، فهي الأبتعاد عن القروض الربوية. فالمصارف يقوموا بتزيين هذه القروض والمنتجات الشبيهة وإضفاء هالة من الأحلام الوردية حول الثراء السريع والتوسع المضطرد ولا يدري المقترض أنه بدأ بتضييق الحبل الغليظ والخشن على رقبته بمجرد الدخول بهذا المنحى الأليم! فالقناعة بما لديك والعمل بمالك الخاص وإن كان قليلا ومتواضعا و ( مد الرجل على قد اللحاف )، تعتبر من المبادئ السامية التي تضفي على صاحبها الهدوء والإتزان وقت الكوارث فالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. ولي مع المصارف وقفة وفِي قلبي ورمة بشأن تسببها ببعض من هذه الفوضى الإجتماعية وعدم مراعاة إمكانية التسديد لبعض أفراد المجتمع وتضييق الخناق على الضعفاء وإغراقهم بديون لا طاقة لهم بها وكان الأجدر بهذه المصارف إسداء النصح قبل الإيغال بنحر الضعوف!
وتعتبر التوعية المجتمعية بالشؤون المالية في غاية الأهمبة وبالذات في تعليم النشء على مبادئ القناعة وحسن إدارة المصروف والتعامل مع القضايا المادية. وأود بهذه السانحة الإشادة بإدخال منهج ( ريالي ) لتعزيز الثقافة المالية ضمن مناهج وزارة التعليم.
وأخيراً، فكلمة ( شوك ) ربما أشتقت أحرفها من بوادئ شراكة ووكالة وكفالة!
وقانا الله وإياكم مصاعب الزمان وصداع الديون وطرق الأبواب من قبل الدائنين،،،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام