أخبرتني متألمة: قبل فترة جاءتني ابنتي الصغيرة وقالت ماما أقول ام لا ؟ سأقول شيئا و لكن لاتغضبي مني فمعلمتي تعطينا اجوبة الاختبار! إنتهى الحوار وياله من خوار! خوار وهزال ينهش بجسد أمانة أمة “إقرأ”.
واقع مؤلم أصبحنا نعيشه فعندما كان أطفالنا صغارا كنا نّنمي قدراتهم بعيدا عن المدرسة وكنا نعاني من إختصار المعلمين والمعلمات للمنهح ومن تمييع المواد الأساسية (علما بأني شخصيا لا أزال أعاني من تبعات عدم فهمي للمواد الأساسية وبالذات العلمية في مرحلة التكوين الأولى) وكان سهلا علينا توجيههم للأحسن و سد الثغرات وان كان ذلك مؤلمًا ففي كل اختبار نقول حسبنا الله ونعم الوكيل لما وصل له المستوى التعليمي.
إن تعويد الطلبة على ممارسة الغش وتسهيله في نظرهم سينسحب على كل شيء في حياتهم مستقبلا كما يرى بعض الباحثين مثل سنتيرا (Centra, 1970 ) حيث إن أولئك الذين يمارسون هذا السلوك طوال حياتهم التعليمية يخشى أن تتكون لديهم عادة الغش والتزييف في كثير من جوانب حياتهم العملية بعد تخرجهم.
وقد مررت شخصيا بهذه التجربة المريرة والمثيرة في الثالث الثانوي عندما طلب مني مدرس التوحيد (إنتبهوا مدرس التوحيد!) تغشيش الطالب الذي بجانبي ولما إستغربت من الطلب قال لي (ما تبقاش حنبلي!). فأي شعور بل أي ذكريات سأحملها عن هذا الأستاذ! لا أخفيكم فأنني لم أنس هذا الموقف حتى بعد مرور السنون الطوال لأن ذلك حفر حفرة عميقة بقلبي وجرحا صعب الإندمال.
وبالمناسبة، فإن بعض المدارس الخاصة (للتبعيض وليس للتعميم) تشرع في إعطاء الطلبة الأجوبة ويقوم المدرسون تطوعا بذلك لرفع مستوى أداء الخريجين من هذه المدرسة وبمعدلات لا تنزل عن المائة بالمائة كي يتم نشر النتائج في الجرائد فأي تعليم هذا وأي تربية تلك!
وتكمل المبتلاة حديثها فتقول: نذرت نفسي كي أسجل ابنتي في مدرسة تتميز بالرقي والحزم والنظافة فقد كانت المديرة رائعة بل كانت كالأم للبنات همها التطوير وبعد عام تقاعدت هذه المديرة فرأيت مدرسة مختلفة بإدارة ذات تعامل هزيل ومدرسات ليس بالمستوى القديم فالمدرسة أصبحت عادية جدا والطالبات تغيروا. هذا كله لأنهم فقدوا القائد المناسب والحقيقي لهذا الصرح.
اصبح التعليم أزمة حقيقية فبعض الأهالي وقبل إنجاب الأبناء أصبحوا يفكرون هل يستطيعوا تحمل تكاليف المدارس الأهلية الجيدة والتي تتسابق سنويا في رفع الأقساط المدرسية بشكل لافت أم يستسلموا للتعليم العام.
وتروي قائلة: إتصلت مرة بمسؤول من الإدارة كي أسأله عن أفضل المدارس الأهلية التي تهتم باخلاق طلابها كي أسجل ابني فلم يذكر الا ثلاث مدارس أهلية اما الحكومية فهي متوقفة على المدير ومدى اهتماهه! هذا بالنسبة للتعليم، اما التربية فحدّث ولا حرج.
ولعل إصرار الجامعات على إدراج السنة التحصيرية قبل البدء بالمنهج الدراسي للجامعة لهو أكبر دليل على عدم (إعتراف) بنتائج الثانوية وما سبقها! ولا أخفيكم فقد كانت السنة التحضيرية بالنسبة لي فاصلة وممحصة وحجر زاوية.
ولما كنت في الجامعة كان يطلب مننا تدريس المراحل المتوسطة والثانوية دروسا للتقوية وكم كانت مفاجئتي من العيار الثقيل عندما كنت أشرح مبادئ نظرية فيثاغورس وكذلك اساسيات الجبر والخوارزميات بأن طالبا بالصف الثالث المتوسط لم يكن يحفظ جدول الضرب فوددت حينها أن أخضع جميع المدرسين الذين مر عليهم هذا الطالب النجيب لمحاكمة وتشهير وذلك للإخلال بالأمانة!
لدينا 35 ألف مدرسة حكومية وغيرها المئات وربما الآف من المدارس الخاصة ويتم تخريج الملايين سنويا لمعترك الحياة فأي معترك هذا والكثير منهم لا يتمتعون بأساسيات التعليم؟ فثلاثية التعليم (المعلم والطالب والمنهج) إذا تم الإخلال بضلع من أضلاعها ستختل الأمة بأكملها.
ولعلي أختم بقول شوقي:
الام مدرسة اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق. فكذلك المعلمة والمعلم فبناتنا وأبنائنا يقضون مع معلماتهم ومعلميهم تقريبا نفس الوقت الذي يقضونه مع امهاتهم ان لم يكن اكثر.
وأرجو عدم حمل هذا الموضوع على محمل التشاؤم ولكنها صيحة نذير وإيماءة مشفق هاله ما رأى وما سمع. نسأل الله لأمة إقرأ النهوض مجددا بأخلاقياتها وتربيتها وحينها سينصلح تعليمها وتتقدم أجيالها.
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام