تشرفت اليوم بزيارة فريدة من نوعها كنت أتمناها منذ أمد بعيد لجهبذ من الجهابذة وعملاق من عمالقة الفكر والعطاء والعمل الدؤوب، إنه العم الفاضل الشيخ سعيد لوتاه هذا الرمز الكبير والدانة المتلألأة في سماء العطاء وفضاء التضحية. وللعلم، فالزيارة تأخرت طويلا فقد كنت أسمع عنه منذ ثلاثين سنة ونيّف ولكن لم تسنح لي الفرصة في سالف الأيام.
أيها القرّاء الأعزاء،
دعوني أمخر بكم عباب هذا الرمز العظيم والأيقونة المباركة. فالشيخ له من العمر ستة وتسعين ربيعا قضاها في مكابدة الحياة بدءاً من تجارة اللؤلؤ ومروراً بالمقاولات والأعمال التجارية الأخرى. والشيخ سعيد هو أول من أسس مصرفاً إسلامياً في العالم عام ١٩٧٥م حيث قام بإنشاء بنك دبي الإسلامي. وله العديد من المساهمات التجارية الإبداعية والتي يضيق المجال بذكرها.
أما أكثر شيء شدني منذ زمن بعيد لهذا الصرح الشامخ هو تأسيسه لنظام تعليمي مختلف عن كل ما هو مألوف في العالم. فقد أسس عام ١٩٨٣ مدرسة ذات منهج فريد تقوم على إستقطاب الأيتام من جميع أنحاء العالم وتعليمهم العلوم الشرعية والإنسانية والتقنية وفنون الحياة وبشكل يندر له مثيل. وحيث أن الشاب لما يقترب من سنّ الخمس عشرة سنة، فأنه قد إقترب من سنّ التكليف والذي بنظر الشيخ سعيد يجب أن يكون جاهزاً بشكل كامل ليصبح مسؤولاً وبكامل الأهلية. فاليتيم لما يبلغ سن التكليف في مدارس الشيخ سعيد، يكون حينها قد أنهى جميع المقررات اللازمة من هندسة وعلوم وتطبيقات حياتية وتتلقفه الشركات في مسابقة غير مألوفة!
ولا يكتفي الشيخ بهذا التعليم فقط، ولكن يعضده بعلوم الحياة والعيش في الصحراء لتعلم فنون الفراسة والفطنة والتدبير الفطري للحياة. وللمعلومية، فأن السكرتير الرئيسي للشيخ هو شاب في عمر الخمس عشرة سنة! ومما يشد الإنتباه أن جميع الطلبة وعددهم كبير يسمون الشيخ بالوالد فهو بحق والد الجميع وملهم الكل!
أما توريث القيادات عند الشيخ فشأنه عجيب وأتمنى من دور الإستشارات العالمية في علم الموارد البشرية التأسي به. فالشاب الذي يمارس عملاً ما عند الشيخ يلازمه شاب آخر للتعلم وللجهوزية الفورية حين الطلب ومن خلال برنامج صارم لا يقبل الترهل والدعة!
وللشيخ تجارب عالمية أخرى فهو شيخ الإستدامة وعرّاب الإبداع. فقد بنى العديد من القرى حول العالم والتي لا تتكون من بيوت فقط ولكن توجد بها عناصر الحياة الأخرى التي تنقل ساكنيها نقلة نوعية. فلكل صاحب بيت ما يزيد على الأربعة الآف متر من الاراضي الزراعية وعشرات رؤوس الماشية وأحواض الأسماك وذلك تشجيعاً للعمل الحر والكسب الشريف. وقد أصبحت هذه القرى حول العالم ذات إكتفاء ذاتي بل تم بناء قرى إضافية من فوائض القرى المنتجة!
والشيخ، وبرغم كونه من كبار رجال الأعمال، إلا أنه يؤثر الحياة الطبيعية والبعيدة عن أجواء الترف والصخب فهو ينام في الصحراء ولا يستعمل أجهزة التكييف حتى في أجواء الصيف اللاهبة!
لوتاه العملاق أتعبت من بعدك! فهذه سيرة لم ترو
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام