أواجه دوما أثناء سفري للعمل وبالذات بأوقات العطل وفي الأماكن المعروفة سياحيا حول العالم مظاهر ومناظر مستفزة للغاية من بني جلدتنا. وتتعلق هذه المظاهر بالمبالغة في إظهار الترف من ملابس ومجوهرات وسيارات فارهة مشحونة جوا وحجوزات كاملة لمقاهي دون إستخدامها وتصرفات أخرى ملفتة للنظر ولا أظنها مما يبعث السعادة لدى السائح إلا إن كان يقصد الإستفزاز أو به لوثة يريد من خلالها لفت الأنظار ونسأل الله المعافاة من ذلك.
وعلى النقيض من ذلك، فإن أهل الثراء في العالم الغربي وبالذات أولئك الذين يتبوؤن صدر قوائم الأثرياء في العالم، لا نراهم يتصرفون كتصرفاتنا أثناء السفر. فنرى الثري منهم يلبس اللبس العادي والعملي ولا نرى مواكب السيارات الفارهة ولا أي مظهر يشير لشيء غير عادي ويستمتعون بعطلهم أيما إستمتاع دون أن يلفتوا النظر ولا يوغرو الصدور!
وقد كنت أسكن باريس لظروف عملي قبل 15 سنة ببيت على مقربة من شارع الشانزليزيه المعروف. وقد كان الشارع مميزا بالسائحين طيلة أيام السنة حتى جاء الصيف وأنقلبت الموازين! تغير حال المقاهي وأصبح البعض منها محجوزا بالكامل وتغير حال السيارات فأصبحت أرى سيارات فارهة وبلوحات خليجية وتغير حتى أسلوب النادلين في المقاهي فالكل يتسابق لنيل غنيمته! أما الشرطة فقد كانت مستنفرة لأن الموسم كان خصبا للسرقة والمظاهر الباذخة لا يستطيع قليلو الإيمان ممن إمتهنوا السلب مقاومتها!
ولما بدأت بسؤال البعض عن برنامجه السياحي إكتشفت أن البرنامج عبارة غن الجلوس ليلا في ( الشانز ) فقط طوال مدة السفر! وكنت أسألهم بسذاجة بالغة عن التنوع الثقافي في الحي اللاتيني ومتاحف باريس ومكتبات نوتردام وروائع فرساي وحدائق باربيزون ومتنزهات فونتنبلو فكان الجواب الذي أتلقاه تهكميا للغاية! بإختصار كان برنامج السفر للبعض هو أن ( أرى وأُرى )!! فقررت بعد ذلك الإبتعاد عن هذه الأماكن التي كانت تسبب لي حساسية مفرطة!
أعتقد أن ثقافة السفر تحتاج لمراجعة شاملة. فالسفر يجب أن يشمل ( بالإضافة للترويح عن النفس وهذا هو الأساس ) التعرف على أماكن جديدة وثقافات أخرى وهوايات ومناشط إيجابية لا حصر لها.
وحيث أن دوام النعم بشكر الله والنعمة زوالة، فالكثير من البلدان حولنا تئن في دوامة من الألم والشقاء بشكل ملفت. وقد كانت هذه الأمم تعاني من تباهي سفهائها كما يحدث عندنا الآن. فنظرة واحدة للدول التي حولنا تخبرنا عن مصير الأمم عندما تسود ثقافة السفاهة والتباهي والتبذير فالله لا يحب المسرفين كما أن المبذرين إخوان الشياطين.
نصيحتي لأهلي وبني جلدتي هي التواضع وعدم التباهي والإسراف و الإبتعاد عن تعمد لفت أنظار الفقراء والمعسرين. يجب أن يكون السائح منا سفيرا لبلده وأهله ودينه وأن يمثلنا خير تمثيل من دون إفراط ولا تفريط.
كما أوصي جميع المحترمين بالشد على أيدي السفهاء من الأبناء والبنات وعدم ترك حبل التباهي على الغارب فيغرق القارب! فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
وكي تكون النصائح إيجابية وعملية ويبارك الله بأموالنا وأوقاتنا وسفرنا، أنصح بتخصيص جزء من مصاريف السفر الكبيرة للأعمال الخيرية وبالذات للمساكين والفقراء في البلدان السياحية والذين ينظرون إلينا بأننا أبناء الصحابة وأحفاد الصالحين! وبهذه الحالة، نحقق أهدافا سامية وبنفس الوقت نستمتع ونرفه عن أنفسنا دون لفت نظر أو تثريب.
وأخيرا،
أيها السائحون أخفضوا ترفكم … حولنا أمم تتألم …. بل بيننا أناس تتضور!
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام