قرية نور الله ليست مجرد قرية
بقلم/ أحمد صالح الرماح
في الهزيع الأخير من عام ٢٠١٤، تمت خطبة شاب لشابة. إلى الآن الخبر عادي وليس هناك ما يسترعي الإنتباه!
وذات مساء خريفي جميل وبعد الخطبة الميمونة بعدة أشهر، أتصل بي الشاب وطلب طلباً غريباً وقال لي أريد أن أراك فوراً! فلما ذهبت اليه، بادرني بمشروع لم يخطر ببالي ولم يمر على فؤادي! قال لي بصريح العبارة، لا أودّ الإنجراف في حفلة عرس باذخة تستهلك الجهود والأعصاب والأوقات، وبدلاً عن ذلك أودّ تخصيص المبلغ المرصود للعرس لبناء قرية متكاملة تخدم الإنسانية وتتكون من تسع وتسعين بيت ويتوسطها المسجد والمدرسة وبقية المنافع. حينها، سألته مباشرة ومن شدة الحماس والتلقائية؛ ولماذا لا تكون القرية من مائة بيت مثلاً؟! فبادرني برد أبهرني وفغرت على إثره فيّٓ. قال لي بصريح العبارة أودّ أن تكون البيوت بعدد أسماء الله الحسنى ويتم تسمية كل بيت على هذا المنوال. فبدلاً عن ترقيم البيوت يكون تسمياتها القوي والعزيز والرحمن، والرحيم وهكذا! قلت له وماذا بعد؟ فقال أريد أن يتوسط القرية مسجد متميز ونود أن ننقل القرية نقلة نوعية ونجعل الفصول الدراسية في قلب الحدث. قلت له وأنا مشدوه ومشدود؛ وماذا بعد؟ فقال أرغب أن تكون القرية مستدامة وأن تصرف على نفسها مستقبلاً من خلال بناء محلات تجارية يستفيد منها قاطنوها. قلت له وأنا في غاية الإنبهار؛ هل لديك طلب آخر؟ فقال نرغب بتسمية القرية بقرية نور الله نسبة إلى أوائل الأسماء له ولخطيبته!
تمنيت حينها أن أقبّل رأس هذا الفتى اليافع على هذه الأفكار النبيلة والمشعة ويا ليته سمح لي فدماثة خلقه تمنعه من ذلك!
ما أن غادرته حتى بدأت بالتواصل مع الجهات المعنية وخلال أربع وعشرين ساعة كانت جميع الخيارات متوفرة على طاولة النقاش وتم إتخاذ القرار في أقل من يومين وبدأ العمل بعد ذلك مباشرة!
وبعد ذلك بشهر، ذهبنا سوياً لوضع حجر الأساس للقرية. ومن شدة الفرح، قال لي وهو يذكّي العجل السمين لإطعام المحتاجين هناك، يا عّم أبو مساعد؛ هذا عرسي الحقيقي وهؤلاء الفقراء الذين تحلّقوا حولنا هم ( المعازيم ) الحقيقيين! بكيت وقتها طويلاً وحاولت بكل طاقتي أن لا يراني وأنا بهذا المشهد المؤثر والآسر!
وتمر الأيام، وقرية نور الله تبدأ بالظهور على أرض الواقع! وبعد ذلك بسنة، تم إفتتاح القرية وبحضور الشاب وزوجته وبقية أفراد الأسرة في حفل مهيب ومتميز ويسلب الأنظار! وتم توزيع المفاتيح لأصحاب البيوت وهم يرفعون أياديهم بالدعاء والبكاء من شدة الفرح. ثم صدح الآذان لأول مرة في الأرجاء من المسجد الذي يتوسط القرية فكان مشهداً مهيباً وروحانياً! وتم إفتتاح الفصول الدراسية وبقية مكونات القرية والجميع مبهور بتجربة الشاب والشابة فقد أصبحت عندهم قرية متكاملة يقطنها ستمائة وخمسون إنسان ومدرسة يذهب اليها العشرات بل ربما المئات من الطلبة مستقبلاً ومسجد يؤمه المصلون ومحلات وقفية مدرّة. كل هذا تحقق بنفس المبلغ الذي كان يفترض أن يخصص لعرسٍ ليلة واحدة يستهلك من الجهود والأوقات ما الله به عليم ولا نسلم من المنتقدين ( والمتشرهين والزعلانين )!
فهذا الثنائي المتميز قد قرر إختصار كل هذه الجهود ووضع بصمة لهما تستمر مدى الحياة بالرغم من حقهما الطبيعي والفطري بالفرح وعقد حفلة العرس والتي يطمح لها كل شاب وشابة فهي ليلة من ليالي العمر المشهودة والمفرحة ولكنهما إختارا طريقاً آخراً وَيَا له من طريق مختلف وجميل!
وللمعلومية، فأن بطلا القصة قد وضعا نصب أعينهما متابعة أمور القرية وأن تكون محطة سنوية للسفر حتى إن لم تكن على الطريق فيتم موائمة خطة السفر للمرور بها! أي سؤدد هذا وأية همة هذه؟!
ولعله من نافلة القول أن أسرّ لكم بسرّ بهذا الشأن. فقد أصبح فعلهما سنّة حسنة في العائلة يقوم بها كل من يقدم على الزواج! أنه توفيق رب العزة والجلال ولا يوجد أي تفسير آخر لما يحصل!
الخواطر المستلهمة كثيرة والفوائد جمّة من هذه الملحمة الأسطورية والخالدة والتي سطّر بطولتها شاب وشابة من هذا الوطن الكبير والمعطاء وأدع لكم المجال أيها السيدات والسادة لإستنباط العبر وإستلهام الفوائد. دمتم في بناء الإنسان وعمارة الأوطان،،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام