ألحظُ ومنذ فترة ليست بالقصيرة تسابقا عنيفا ومحموما ودعوات مقيتة للتحلل من كل شيء يتعلق بالدين أو الموروثات الأصيلة التي تربينا عليها تحت شعارات برّاقة تتخفى تحت جناح ضرورة قيادة المرأة للسيارة أو تحت مسمى مناقشة جدل فقهي حول كشف وجه المرأة وخلاف ذلك من أمثلة وقشور يراد لها أن تكون محور حديث المجتمع الذي يواجه تحديات كبيرة وعميقة ولا يرى داع لكل هذه الضوضاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فبالرغم أن مسألة الحلال والحرام أقرّها رب العالمين وبيّنها رسلونا الكريم بقوله (إن الحلال بيّن وإن الحـرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب)، نرى أن المسألة لن تتوقف عند قيادة المرأة للسيارة أو كشف الوجه بل ستتجاوز ذلك بكثير. فلم كل هذه الضوضاء في وقت تئن الأمة من مشارق الأرض إلى مغاربها من مصائب جمة وجراح غائرة والآم مستدامة؟
أحاول أتتبع التوجهات وأجتهد لفهم مكنون هذه الدعوات التي تأتينا من الشرق ومن الغرب، والأنكى من ذلك تلك الدعوات التي تأتينا من بني جلدتنا عبر قنوات ناعقة آناء الليل وأطراف النهار، فأجدها تصب في خانة واحدة الا وهي نزع كل أخلاقيات المجتمع ومكنوناته الأصيلة قبل نزع ثياب نسائه وسلب الشباب دروب الخير والصلاح ومسالك المساجد لدروب هزيلة لا هوية لها ومنزوعة اللون والطعم والرائحة.
فمسألة قيادة المرأة للسيارة لا علاقة بالشرع بها والفيصل بذلك هو رأي ولي الأمر والذي يجب أن يُحترم ويُوقّر في جميع الأحوال لما فيه مصلحة البلاد والعباد. أما مسألة كشف الوجه فالشرع فيه واضح والأمر به فسحة لا تحتمل كل هذا اللغط والمغالطات وقذف المحصنات.
ولعلي في هذا السياق ألخّص الحقبات الثلاث التي عايشتها، ففي السبعينيات الميلادية وما قبل ذلك، كانت النسوة يختلطن بالرجال بشكل يومي والجميع كان محترما والنوايا كانت بريئة وطيبة والمجتمع كان حينذاك فاضلا ومتدينا تدينا فطريا والناس تعيش بسلام ووئام خالص لا غبش به. أما بنهاية السبعينيات، ولظروف معينة، فقد توجه المجتمع نحو إلتزام ديني متميز وأصبح أقل تسامحا بشأن الإختلاط وتم فصل كل شيء بصورة لم تخل من التشويه الذي لا يقرّه الشرع. والمصيبة تكمن في حالة الإلتزام الديني لإرضاء الناس وكسب إحترام الشارع مما ساهم بخلط الحابل بالنابل ورأينا أمثلة بعيدة أخلاقا ومعاملة عن الدين ولكنها تظهر بالمظهر الذي يحترمه المجتمع وتخفي دون ذلك أمراضا مزمنة وفصاما عجيبا أورد البعض المهالك لأن التوجه كان (على حرف) وليس على أساس من تقوى الله ورضوانه.
وإذا رجعنا للسيرة العطرة للعصور الفاضلة نجد الصحابيات رضوان الله عليهن يسألن رسول الله في المسجد ويختلطن بالصحابة إختلاطا حضاريا ومهنيا لا يحتمل سوء التأويل. وبالمناسبة، فأن بعضا من كبار علماء السلف الصالح أخذوا علمهم من إمرأة. فالمرأة هي تاج رؤوسنا وهي أمنا وأختنا وزوجتنا ويجب أن نضعها في هذا الموضع مدى الزمان.
ثم بدأت موجة التديّن تتأثر سلبا رويدا رويدا ببداية التسعينيات مع مجيء القنوات الهابطة وتأثيرها على المجتمع بشكل مقذع نسأل الله أن يكفينا شرورها وشرور من خطط لهدم أخلاقيات الأمة بسببها. هذه الموجة الأخيرة مزعجة حقا فلا هي أرجعتنا لما كانت عليه الأحوال قبل الصحوة من ناحية البراءة والخلق القويم ولا هي تركت الملتزم بإلتزامه والمنفتح بإنفتاحه ولن يهدأ لها قرار حتى تقضي على ما بنته الأمة وتهدم كل خلق وموروث إجتماعي أصيل.
السؤال المطروح في هذا السياق هو لماذا كل هذه الجلبة وبهذا الوقت؟ وماذا يراد بنا؟ ولماذا يتصرف الطرفان ( دعاة التحرر ومناويئهم ) تصرفات هزيلة تتسبب بإرجاع الأمة قروناً للوراء في جدل عقيم تم فضّه والبتُّ بشأنه منذ عصور السلف الصالح الزاهرة؟ ولماذا ندخل بين العبد وربه ونغوص بالنوايا؟ وهل بظهور وجه المرأة ستتقدم الأمة وبتغطيته ستغرق في دياجير الظلام؟ وهل المرأة طلبت منكم تحريرها وهل هي مستعبدة أصلا؟ وهل سنقابل رب العالمين يوم القيامة بحجج واهية كي (لا يزعل ) علينا فلان أو تنتقدنا فلانة؟ وهل هذا الجدل يعبّر عن أهم قضايا الأمة؟ وهل وهل وهل حتى طلوع الفجر!
أيها السيدات والسادة:
ليكن رب العالمين وتقواه أساس المسار وجهة الإنطلاق والإنعتاق ولتكن آراء الطرف الفلاني أو الطرف العلّاني آخر ما نفكر به. فلربما نقع من حيث لا ندري بشرك كبير وهو (ماذا يقول عنا الناس) وليكن شعارنا (ماذا يقول عنا رب العالمين) ونتوقف عن سبر غور النوايا ونتدخل في خصوصيات بين العبد وربه.
إن الأمة تئن مثقلة بجراح وأدواء تتطلب من الجميع التركيز على القضايا الأهم وتصويب الجهود لمحاربة الآفات التي تنخر بعضد المجتمع وتحيله ركاما بدلا من تشتيت الجهود بهرطقة فلسفية موجهة لا طائل لها من قريب أو بعيد. أدعوا إخواني الدعاة بالرفق بالمجتمع فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه. كما أدعو الناعقين والناعقات عبر القنوات الفضائية من بني جلدتنا إلى تغليب المصلحة العامة وأن يتقوا الله بمجتمعنا وعدم جرّ الأمة لمعارك جانبية يكون الجميع فيها خسران. أتمنى أن يضع الجميع خلافاتهم جانبا ويساهموا في بناء الأوطان وخدمة المجتمعات بالتي هي أحسن كي نتقدم ونتسنم ذرى المجد. وختاما أود التذكير أن يوم القيامة طويل والحساب شديد وعلينا أن نتقي الجليل وأن نستعد ليوم الرحيل فكل آتيه فردا،،،
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام