يقول ربنا جل شأنه في محكم التنزيل (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا). العهد كلمة شاملة ترجمها حديث رسولنا الكريم بالحديث (اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً فشقَّ عليهم ،فاشقُق عليه،و من ولي من أمر أمتي شيئاً،فرفق بهم،فارفق به). العهد هو المسؤولية المجردة مهما صغرت فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته وكل محاسب عند رب الأرباب ومسبب الأسباب (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).
فبجكم العمل اليومي في المجال الخيري والإجتماعي، أتعرّض لأمثلة كثيرة من القصور والتعنت والسلطوية المقيتة التي تمارس ضد المرأة من بعض أولياء الأمور أصلحهم الله. هذا العنت اليومي عبارة عن رحلة حياة قاسية لا توفيها هذه السطور حقها ويصبح الحليم حيالها حيران. فمن أمثلة التسلط القهري منع المرأة من الزواج لأسباب واهية تتعلق بأمور ما أنزل الله بها من سلطان وأحيانا رغبة بإستغلال موارد المرأة إن كانت موظفة مما يتسبب بعنوسة مضطردة ومشاكل لا حصر لها وترهل إجتماعي منبوذ نتيجة هذا المنع القهري. ومن مظاهر القسوة التي تجرمها الشريعة هي إعضال المرأة وتعليقها بحيث تصيح مسلوبة الحقوق والإرادة وتدور في فلك مظلم وحلقات مفرغة إلى ما شاء الله. فبالرغم من توصية رب العالمين (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، ألا أننا نجد أنفسنا يوميا أمام أمثلة تدمي القلب وتكدر الخاطر. فبعض النساء لا تستطيع العلاج ولا الدراسة ولا التقديم على وظيفة ولا السفر أحيانا لأداء واجب كموت أم أو فقدان عزيز لأن الزوج الغير المحترم يمسك بكل مستنداتها وأوراقها الثبوتية وأوراق الأبناء ويمتنع عن التطليق بحجة تأديب المرأة أو تأديب أهلها مما يشجبه الشرع شجبا كبيرا لا حدود له. إن موت الأب الحنون والأم الرؤوم يتم إستغلاله شر إستغلال من بعض أولياء الأمور الذين ينتظروا الفرصة ليتحكموا بمصائر أخواتهم مما يجعل حياتهن نكد دائم ودوامة عنيفة من الحشف وسوء الكيل.
إن زيارة واحدة للمحاكم تكفي لمعرفة مدى إستشراء هذه الآفة المقيتة والضغينة المؤلمة. فبدلا أن يكون شغل المحاكم بما يسهم بتطوير المجتمع وزيادة تلاحمه، أصبح التقاضي اليومي المتعلق بالإعضال والتعليق وسوء أداء الولاية هو السمة السائدة في كثير من الحالات مما يجهد القضاء ويذهب مجهود القضاة سدى ويصبح العمل السائد هو إطفاء سعار نيران مشتعلة بسبب البعد عن تعاليم الشريعة لبعض الأفراد الذين آلوا على أنفسهم إلا أن يمارسوا أدوارا تعسفية مشمئزة تنكرها جميع الديانات والأعراف.
أما إذا رجعنا إلى هدى الرسول عليه الصلاة والسلام وممارسة الصحابة الأجلاء نجد أنفسنا أمام عمالقة في السلوك الحضاري. فقد قال عليه الصلاة والسلام عن المرأة (لا يكرمهن إلا كريم و لا يهينهن إلا لئيم) وكان يعامل أهل بيته بقمة الحضارة والرقي. بل ذهب التعامل أبعد من ذلك مع خادمه أنس بن مالك فكانت المعاملة مثال الحضارة والرقي (خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّ قَطُّ ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ ، لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا). فما بالك إذا كان التعامل مع الأم والأخت والزوجة والبنات؟ فالأسلام دين الرحمة ودين الإنسانية والرفق. إن تصرفات بعض أولياء الأمور تعطي إنطباعا سيئا عن قيم المجتمع الأصيل التي تربينا عليها وتشربنا من ينابيعها الدافقة ومعينها الصافي بالحب والعطاء والإحساس بالآخر.
أتمنى أن يأخذ القضاء أدوارا أكبر في الحد من هذه الظاهرة المقيتة والتي باتت مستشرية لدرجة أصبحت في ظلها النساء الكريمات (حريما) لمن لا يفقه ولا يرعوي ولا يقدر التعامل الإنساني الراقي. ولعلها من نافلة القول التنوية بأن مسألة الولاية هي تكليف وليست تشريف ومن أخلّ بذلك فليتحمل الوقوف الطويل في يوم كان مقدراة خمسين ألف سنة!
أحدث التعليقات
أحمد الرماح | أبو الأيتام
عدنان بن محمد الفــدّا | أبو الأيتام
أحمد الرماح | ماذا يعني التميز بالعمل الخيري؟
سعود العثمان | أبا راشد قد أتعبت من بعدك
عبدالمنعم الدوسري | بدايات إطعام